اللهم إنى أسألك إيمانا يباشر قلبى .
وقال أبو سليمان من شغل بنفسه شغل عن الناس وهذا مقام العاملين ومن شغل بربه شغل عن نفسه وهذا مقام العارفين .
والزاهد لا بد وأن يكون في أحد هذين المقامين ومقامه الأول أن يشغل نفسه بنفسه وعند ذلك يستوى عنده المدح والذم والوجود والعدم ولا يستدل بإمساكه قليلا من المال على فقد زهده أصلا .
قال ابن أبى الحوارى قلت لأبى سليمان أكان داود الطائى زاهدا قال نعم قلت قد بلغنى أنه ورث عن أبيه عشرين دينارا فأنفقها في عشرين سنة فكيف كان زاهدا وهو يمسك الدنانير فقال أردت منه أن يبلغ حقيقة الزهد وأراد بالحقيقة الغاية فإن الزهد ليس له غاية لكثرة صفات النفس .
ولا يتم الزهد إلا بالزهد في جميعها فكل من ترك من الدنيا شيئا مع القدرة عليه خوفا على قلبه وعلى دينه فله مدخل في الزهد بقدر ما تركه وآخره أن يترك كل ما سوى الله حتى لا يتوسد حجرا كما فعله المسيح عليه السلام فنسأل الله تعالى أن يرزقنا من مباديه نصيبا وإن قل فإن أمثالنا لا يستجرىء على الطمع في غاياته وإن كان قطع الرجاء عن فضل الله غير مأذون فيه وإذا لاحظنا عجائب نعم الله تعالى علينا علمنا أن الله تعالى لا يتعاظمه شىء فلا بعد في أن نعظم السؤال اعتمادا على الجود المجاوز لكل كمال .
فإذن علامة الزهد استواء الفقر والغنى والعز والذل والمدح والذم وذلك لغلبة الأنس بالله .
ويتفرع عن هذه العلامات علامات أخرى لا محالة مثل أن يترك الدنيا ولا يبالى من أخذها .
وقيل علامته أن يترك الدنيا كما هي فلا يقول أبنى رباطا أو أعمر مسجدا .
وقال يحيى بن معاذ علامة الزهد السخاء بالموجود .
وقال ابن خفيف علامته وجود الراحة في الخروج من الملك وقال أيضا الزهد هو عزوف النفس عن الدنيا بلا تكلف .
وقال أبو سليمان الصوف علم من أعلام الزهد فلا ينبغى أن يلبس صوفا بثلاثة دراهم وفي قلبه رغبة خمسة دراهم .
وقال أحمد بن حنبل وسفيان رحمهما الله علامة الزهد قصر الأمل وقال سرى لا يطيب عيش الزاهد إذا اشتغل عن نفسه ولا يطيب عيش العارف إذا اشتغل بنفسه .
وقال النصراباذي الزاهد غريب في الدنيا والعارف غريب في الآخرة .
وقال يحيى بن معاذ علامة الزهد ثلاث عمل بلا علاقة وقول بلا طمع وعز بلا رياسة وقال أيضا الزاهد لله يسعطك الخل والخردل والعارف يشمك المسك والعنبر .
وقال له رجل متى أدخل حانوت التوكل وألبس رداء الزهد وأقعد مع الزاهدين فقال إذا صرت من رياضتك لنفسك في السر إلى حد لو قطع الله عنك الرزق ثلاثة أيام لم تضعف في نفسك فأما ما لم تبلغ هذه الدرجة فجلوسك على بساط الزاهدين جهل ثم لا آمن عليك أن تفتضح وقال أيضا الدنيا كالعروس ومن يطلبها ما شطتها والزاهد فيها يسخم وجهها وينتف شعرها ويخرق ثوبها والعارف يشتغل بالله تعالى ولا يلتفت إليها .
وقال السرى مارست كل شىء من أمر الزهد فنلت منه ما أريد إلا الزهد في الناس فإنى لم أبلغه ولم أطقه