كشف لهم عن سبحات وجهه حتى احترقت بنار محبته ثم احتجب عنها بكنه جلاله حتى تاهت في بيداء كبريائه وعظمته فكلما اهتزت لملاحظة كنه الجلال غشيها من الدهش ما اغبر في وجه العقل وبصيرته وكلما همت بالانصراف آيسة نوديت من سرادقات الجمال صبرا أيها الآيس عن نيل الحق بجهله وعجلته فبقيت بين الرد والقبول والصد والوصول غرقى في بحر معرفته ومحترقة بنار محبته والصلاة على محمد خاتم الأنبياء بكمال نبوته وعلى آله وأصحابه سادة الخلق وأئمته وقادة الحق وأزمته وسلم كثيرا .
أما بعد : فان المحبة لله هي الغاية القصوى من المقامات والذروة العليا من الدرجات فما بعد إدراك المحبة مقام إلا وهو ثمرة من ثمارها وتابع من توابعها كالشوق والأنس والرضا وأخواتها ولا قبل المحبة مقام إلا وهو مقدمة من مقدماتها كالتوبة والصبر والزهد وغيرها وسائر المقامات إن عز وجودها فلم تخل القلوب عن الإيمان بإمكانها وأما محبة الله تعالى فقد عز الإيمان بها حتى أنكر بعض العلماء إمكانها وقال : لا معنى لها إلا المواظبة على طاعة الله تعالى وأما حقيقة المحبة فمحال إلا مع الجنس والمثال ولما أنكروا المحبة أنكروا الأنس والشوق ولذة المناجاة وسائر لوازم الحب وتوابعه ولا بد من كشف الغطاء عن هذا الأمر .
ونحن نذكر في هذا الكتاب : بيان شواهد الشرع في المحبة ثم بيان حقيقتها وأسبابها ثم بيان أن لا مستحق للمحبة إلا الله تعالى ثم بيان أن أعظم اللذات لذة النظر إلى وجه الله تعالى ثم بيان سبب زيادة لذة النظر في الآخرة على المعرفة في الدنيا ثم بيان الأسباب المقوية لحب الله تعالى ثم بيان السبب في تفاوت الناس في الحب ثم بيان السبب في قصور الأفهام عن معرفة الله تعالى ثم بيان معنى الشوق ثم بيان محبة الله تعالى للعبد ثم القول في علامات محبة العبد لله تعالى ثم بيان معنى الأنس بالله تعالى ثم بيان معنى الانبساط في الأنس ثم القول في معنى الرضا وبيان فضيلته ثم بيان حقيقته ثم بيان أن الدعاء وكراهة المعاصي لا تناقضه وكذا الفرار من المعاصي ثم بيان حكايات وكلمات للمحبين متفرقة فهذه جميع بيانات هذا الكتاب .
بيان شواهد الشرع في حب العبد لله تعالى .
أعلم أن الأمة مجمعة على أن الحب لله تعالى ولرسوله A فرض وكيف يفرض مالا وجود له وكيف يفسر الحب بالطاعة والطاعة تبع الحب وثمرته فلا بد وأن يتقدم الحب ثم بعد ذلك يطيع من أحب ويدل على إثبات الحب لله تعالى قوله D يحبهم ويحبونه وقوله تعالى والذين آمنوا أشد حبا لله وهو دليل على إثبات الحب واثبات التفاوت فيه وقد جعل رسول الله A الحب لله من شرط الإيمان في أخبار كثيرة إذ قال أبو رزين العقيلى : يا رسول الله ما الإيمان قال أن يكون الله ورسوله أحب إليك مما سواهما // حديث أبو رزين العقيلي أنه قال يا رسول الله مالإيمان قال أن يكون الله ورسوله أحب إليك مما سواهما أخرجه أحمد بزيادة في أوله وفي حديث آخر لا يؤمن أحدكم حتى يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما // حديث لا يؤمن أحدكم حتى يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما متفق عليه من حديث أنس بلفظ لا يجد أحد حلاوة الإيمان حتى أكون أحب إليه من أهلاه وماله وذكر بزيادة // وفي حديث آخر لا يؤمن العبد حتى أكون أحب إليه من أهله وماله والناس أجمعين // حديث لا يؤمن العبد حتى أكون أحب إليه من أهله وماله ونفسه والناس أجمعين وفي رواية ومن نفسه متفق عليه من حديث أنس واللفظ لمسلم دون قوله ومن نفسه وقال البخاري من والده وولده وله من حديث عبد الله بن هشام : قال عمر يا رسول الله لأنت أحب إلي من كل شىء إلا نفسي فقال لا والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك فقال عمر : فأنت الآن والله أحب إلي من نفسي فقال : الآن يا عمر