يا داود أحوج ما يكون العبد إلى إذا استغنى عنى وأرحم ما أكون بعبدى إذا أدبر عنى وأجل ما يكون عندى إذا رجع إلى فهذه الأخبار ونظائرها مما لا يحصى تدل على إثبات المحبة والشوق والأنس وإنما تحقيق معناها ينكشف بما سبق .
بيان محبة الله للعبد ومعناها .
أعلم أن شواهد القرآن متظاهرة على أن الله تعالى يحب عبده فلا بد من معرفة مع معنى ذلك ولنقدم الشواهد على محبته فقد قال الله تعالى يحبهم ويحبونه وقال تعالى إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا وقال تعالى إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين ولذلك رد سبحانه على من ادعى أنه حبيب الله فقال قل فلم يعذبكم بذنوبكم وقد روى أنس عن النبي A أنه قال إذا أحب الله تعالى عبدا لم يضره ذنب والتائب من الذنب كمن لا ذنب له ثم تلا إن الله يحب التوابين // حديث أنس إذا أحب الله عبدا لم يضره ذنب والتائب من الذنب كمن لا ذنب له ذكره صاحب الفردوس ولم يخرجه ولده في مسنده وروى ابن ماجه الشطر الثانى من حديث ابن مسعود وتقدم في التوبة // ومعناه أنه إذا أحبه تاب عليه قبل الموت فلم تضره الذنوب الماضية وإن كثرت كما لا يضر الكفر الماضى بعد الإسلام وقد اشترط الله تعالى للمحبة غفران الذنب فقال قل إن كنتم تحبون الله فاتبعونى يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم وقال رسول الله A إن الله تعالى يعطى الدنيا من يحب ومن لا يحب ولا يعطى الإيمان إلا من يحب // حديث ان الله يعطى الدنيا من يحب ومن لا يحب الحديث أخرجه الحاكم وصحح إسناده والبيهقى في الشعب من حديث ابن مسعود // وقال رسول الله A من تواضع لله رفعه الله ومن تكبر وضعه الله ومن أكثر ذكر الله أحبه الله // حديث من تواضع لله رفعه الله ومن تكبر وضعه الله ومن أكثر من ذكر الله أحبه الله أخرجه ابن ماجه من حديث أبي سعيد بإسناد حسن دون قوله ومن أكثر إلى آخره ورواه أبو يعلى وأحمد بهذه الزيادة وفيه ابن لهيعة // وقال عليه السلام قال الله تعالى لا يزال العبد يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذى يسمع به وبصره الذى يبصر به // حديث قال الله تعالى لا يزال العبد يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه الحديث أخرجه البخارى من حديث أبى هريرة وقد تقدم // الحديث وقال زيد بن أسلم إن الله ليحب العبد حتى يبلغ من حبه له أن يقول اعمل ما شئت فقد غفرت لك وما ورد من ألفاظ المحبة خارج عن الحصر .
وقد ذكرنا أن محبة العبد لله تعالى حقيقة وليست بمجاز إذ المحبة في وضع اللسان عبارة عن ميل النفس إلى الشيء الموافق والعشق عبارة عن الميل الغالب المفرط وقد بينا أن الإحسان موافق للنفس والجمال موافق أيضا وأن الجمال والإحسان تارة يدرك بالبصر وتارة يدرك بالبصيرة والحب يتبع كل واحد منهما فلا يختص بالبصر .
فأما حب الله للعبد فلا يمكن أن يكون بهذا المعنى أصلا بل الأسامي كلها إذا أطلقت على الله تعالى وعلى غير الله لم تنطلق عليهما بمعنى واحد أصلا حتى إن اسم الوجود الذى هو أعم الأسماء اشتراكا لا يشمل الخالق والخلق على وجه واحد بل كل ما سوى الله تعالى فوجوده مستفاد من وجود الله تعالى فالوجود التابع لا يكون مساويا للوجود المتبوع .
وإنما الاستواء في إطلاق الاسم نظيره اشتراك الفرس والشجر في اسم الجسم إذ معنى الجسمية وحقيقتها متشابهة فيهما من غير استحقاق أحدهما لأن يكون فيه أصلا فليست الجسمية لأحدهما مستفادة من الآخر وليس كذلك اسم الوجود لله ولا لخلقه وهذا التباعد في سائر الأسامى أظهر كالعلم والإرادة