في التغير والترقى إلى أن يقرب من أستاذه والأستاذ ثابت غير متغير فكذلك ينبغي أن يفهم ترقى العبد في درجات القرب فكلما صار أكمل صفة وأتم علما وإحاطة بحقائق الأمور وأثبت قوة في قهر الشيطان وقمع الشهوات وأظهر نزاهة عن الرذائل صار أقرب من درجة الكمال ومنتهى الكمال لله وقرب كل واحد من الله تعالى بقدر كماله .
نعم قد يقدر التلميذ على القرب من الأستاذ وعلى مساواته وعلى مجاوزته وذلك في حق الله محال فإنه لا نهاية لكماله وسلوك العبد في درجات الكمال متناه ولا ينتهى إلا إلى حد محدود فلا مطمع له في المساواة ثم درجات القرب تتفاوت تفاوتا لا نهاية له أيضا لأجل انتفاء النهاية عن ذلك الكمال .
فإذن محبة الله للعبد تقريبه من نفسه بدفع الشواغل والمعاصى عنه وتطهير باطنه عن كدورات الدنيا ورفع الحجاب عن قلبه حتى يشاهده كأنه يراه بقلبه .
وأما محبة العبد لله فهو ميله إلى درك هذا الكمال الذى هو مفلس عنه فاقد له فلا جرم يشتاق إلى ما فاته وإذا أدرك منه شيئا يلتذ به والشوق والمحبة بهذا المعنى محال على الله تعالى .
فإن قلت محبة الله للعبد أمر ملتبس فبم يعرف العبد أنه حبيب الله فأقول يستدل عليه بعلاماته .
وقد قال A إذا أحب الله عبدا ابتلاه فإذا أحبه الحب البالغ اقتناه قيل وما اقتناه قال لم يترك له أهلا ولا مالا // حديث إذا أحب الله عبدا ابتلاه الحديث أخرجه الطبرانى من حديث أبى عتبة الخولانى وقد تقدم // فعلامة محبة الله للعبد أن يوحشه من غيره ويحول بينه وبين غيره قيل لعيسى عليه السلام لم لا تشتري حمارا فتركبه فقال أنا أعز على الله تعالى من أن يشغلنى عن نفسه بحمار .
وفي الخبر إذاأحب الله تعالى عبدا ابتلاه فإن صبر اجتباه فإن رضى اصطفاه // حديث إذا أحب الله عبدا ابتلاه فإن صبر اجتباه الحديث ذكره صاحب الفردوس من حديث على من أبى طالب ولم يخرجه ولده في مسنده // وقال بعض العلماء إذا رأيتك تحبه ورأيته يبتليك فاعلم أنه يريد أن يصافيك وقال بعض المريدين لأستاذه قد طولعت بشيء من المحبة فقال يا بنى هل ابتلاك بمحبوب سواء فآثرت عليه إياه قال لا قال فلا تطمع في المحبة فإنه لا يعطيها عبدا حتى يبلوه .
وقد قال رسول الله A إذا أحب الله تعالى عبدا جعل له واعظا من نفسه وزاجرا من قلبه يأمره وينهاه // حديث اذا أحب الله عبدا جعل له واعظا من نفسه الحديث أخرجه أبو منصور الديلمى في مسند الفردوس من حديث أم سلمة بإسناد حسن بلفظ اذا أراد الله تعالى بعبد خيرا بصره بعيوب نفسه حديث إذا أراد الله بعبد خيرا بصره بعيوب نفسه أخرجه أبو منصور الديلمي في مسند الفردوس من حديث أنس بزيادة فيه بإسناد ضعيف فأخص علاماته حبه لله تعالى .
وأما الفعل الدال على كونه محبوبا فهو أن يتولى الله تعالى أمره ظاهره وباطنه سره وجهره فيكون هو المشير عليه والمدبر لأمره والمزين لأخلاقه والمستعمل لجوارحه والمسدد لظاهره وباطنه والجاعل همومه هما واحد واحدا والمبغض للدنيا في قلبه والموحش له من غيره والمؤنس له بلذة المناجاة في خلواته والكاشف له عن الحجب بينه وبين معرفته .
فهذا وأمثاله هو علامة حب الله للعبد .
فلنذكر الآن علامة محبة العبد لله تعالى فإنها أيضا من علامات حب الله تعالى للعبد .
القول في علامات محبة العبد لله تعالى .
أعلم أن المحبة يدعيها كل أحد وما أسهل الدعوى وما أعز المعنى فلا ينبغى أن يغتر الإنسان بتلبيس الشيطان