بأنه مطلع على السر وخطرات القلب وإن دقت وخفيت وهذه المعارف إذا حصلت يقينا انبعث منها بالضرورة حالة تسمى الحياء فهذه أسباب هذه الصفات وكل ما طلب تحصيله فعلاجه إحضار سببه ففي معرفة السبب معرفة العلاج .
ورابطة جميع هذه الأسباب الإيمان .
واليقين أعني به هذه المعارف التي ذكرناها ومعنى كونها يقينا انتفاء الشك واستيلاؤها على القلب كما سبق في بيان اليقين من كتاب العلم وبقدر اليقين يخشع القلب ولذلك قالت عائشة Bها كان رسول الله A يحدثنا ونحدثه فإذا حضرت الصلاة كأنه لم يعرفنا ولم نعرفه وقد روي أن الله سبحانه أوحى إلى موسى عليه السلام يا موسى إذا ذكرتني فاذكرني وأنت تنتفض أعضاؤك وكن عند ذكري خاشعا مطمئنا وإذا ذكرتني فاجعل لسانك من وراء قلبك وإذا قمت بين يدي فقم قيام العبد الذليل وناجني بقلب وجل ولسان صادق وروي أن الله تعالى أوحى إليه قل لعصاة أمتك لا يذكروني فإني آليت على نفسي أن من ذكرني ذكرته فإذا ذكروني ذكرتهم باللعنة هذا في عاص غير غافل في ذكره فكيف إذا اجتمعت الغفلة والعصيان وباختلاف المعاني التي ذكرناها في القلوب انقسم الناس إلى غافل يتمم صلاته ولم يحضر قلبه في لحظة منها وإلى من يتمم ولم يغب قلبه في لحظة بل ربما كان مستوعب الهم بها بحيث لا يحس بما يجري بين يديه .
ولذلك لم يحس مسلم بن يسار بسقوط الأسطوانة في المسجد اجتمع الناس عليها .
وبعضهم كان يحضر الجماعة مدة ولم يعرف قط من على يمينه ويساره .
ووجيب قلب إبراهيم صلوات الله عليه وسلامه كان يسمع على ميلين .
وجماعة كانت تصفر وجوههم وترتعد فرائصهم .
وكل ذلك غير مستبعد فإن أضعافه مشاهد في همم أهل الدنيا وخوف ملوك الدنيا مع عجزهم وضعفهم وخساسة الحظوظ الحاصلة منهم حتى يدخل الواحد على ملك أو وزير ويحدثه بمهمته ثم يخرج ولو سئل عمن حواليه أو عن ثوب الملك لكان لا يقدر على الإخبار عنه لاشتغال همه به عن ثوبه وعن الحاضرين حواليه ولكل درجات مما عملوا فحظ كل واحد من صلاته بقدر خوفه وخشوعه وتعظيمه فإن موضع نظر الله سبحانه القلوب دون ظاهر الحركات .
ولذلك قال بعض الصحابة Bهم يحشر الناس يوم القيامة على مثال هيئتهم في الصلاة من الطمأنينة والهدوء ومن وجود النعيم بها واللذة ولقد صدق فإنه يحشر كل على ما مات عليه ويموت على ما عاش عليه ويراعى في ذلك حال قلبه لا حال شخصه فمن صفات القلوب تصاغ الصور في الدار الآخرة ولا ينجو إلا من أتى الله بقلب سليم نسأل الله حسن التوفيق بلطفه وكرمه .
بيان الدواء النافع في حضور القلب .
اعلم أن المؤمن لا بد أن يكون معظما لله D وخائفا منه وراجيا له ومستحييا من تقصيره فلا ينفك عن هذه الأحوال بعد إيمانه وإن كانت قوتها بقدر قوة يقينه فانفكاكه عنها في الصلاة لا سبب له إلا تفرق الفكر وتقسيم الخاطر وغيبة القلب عن المناجاة والغفلة عن الصلاة .
ولا يلهى عن الصلاة إلا الخواطر الواردة الشاغلة فالدواء في إحضار القلب هو دفع تلك الخواطر ولا يدفع الشيء إلا بدفع سببه فلتعلم سببه .
وسبب موارد الخواطر إما أن يكون أمرا خارجا أو أمرا في ذاته باطنا .
أما الخارج فما يقرع السمع أو يظهر للبصر فإن ذلك قد يختطف الهم حتى يتبعه ويتصرف فيه ثم تنجر منه الفكرة إلى غيره ويتسلسل ويكون الإبصار سببا للافتكار ثم تصير بعض تلك الأفكار سببا للبعض .
ومن قويت نيته وعلت همته لم يلهه ما جرى على حواسه ولكن الضعيف لا بد وأن يتفرق به فكره .
وعلاجه قطع هذه الأسباب بأن يغض بصره أو يصلى في بيت مظلم أو لا يترك بين يديه ما يشغل حسه ويقرب من حائط عند صلاته حتى لا تتسع مسافة بصره ويحترز من الصلاة على الشوارع