أن تكون كفايتهم عند ترك المكسب من أيدي الناس وما يتصدق به عليهم من زكاة أو صدقة من غير حاجة إلى سؤال فترك الكسب والاشتغال بما هم فيه أولى إذ فيه إعانة الناس على الخيرات وقبول منهم لما هو حق عليهم وأفضل لهم .
الحالة الثانية الحاجة إلى السؤال وهذا في محل النظر والتشديدات التي رويناها في السؤال وذمه تدل ظاهرا على أن التعفف عن السؤال أولى وإطلاق القول فيه من غير ملاحظة الأحوال والأشخاص عسير بل هو موكول إلى اجتهاد العبد ونظره لنفسه بأن يقابل ما يلقى في السؤال من المذلة وهتك المروءة والحاجة إلى التثقيل والإلحاح بما يحصل من اشتغاله بالعلم والعمل من الفائدة له ولغيره فرب شخص تكثر فائدة الخلق وفائدته في اشتغاله بالعلم أو العمل ويهون عليه بأدنى تعريض في السؤال تحصيل الكفاية وربما يكون بالعكس وربما يتقابل المطلوب والمحذور فينبغي أن يستفتي المريد فيه قلبه وإن أفتاه المفتون فإن الفتاوى لا تحيط بتفاصيل الصور ودقائق الأحوال ولقد كان في السلف من له ثلثمائة وستون صديقا ينزل على كل واحد منهم ليلة ومنهم من له ثلاثون وكانوا يشتغلون بالعبادة لعملهم بأن المتكلفين بهم يتقلدون منة من قبولهم لمبراتهم فكان قبولهم لمبراتهم خيرا مضافا لهم إلى عباداتهم فينبغي أن يدقق النظر في هذه الأمور فإن أجر الآخذ كأجر المعطي مهما كان الآخذ يستعين به على الدين والمعطي يعطيه عن طيب قلب .
ومن اطلع على هذه المعاني أمكنه أن يتعرف حال نفسه ويستوضح من قلبه ما هو الأفضل له بالإضافة إلى حاله ووقته فهذه فضيلة الكسب وليكن العقد الذي به الاكتساب جامعا لأربعة أمور الصحة والعدل والإحسان والشفقة على الدين .
ونحن نعقد في كل واحد بابا ونبتدئ بذكر أسباب الصحة في الباب الثاني .
الباب الثاني في علم الكسب بطريق البيع والربا والسلم والإجارة والقراض .
والشركة وبيان شروط الشرع في صحة هذه التصرفات التي هي مدار المكاسب في الشرع .
اعلم أن تحصيل علم هذا الباب واجب على كل مسلم مكتسب لأن طلب العلم فريضة على كل مسلم وإنما هو طلب العلم المحتاج إليه والمكتسب يحتاج إلى علم الكسب ومهما حصل علم هذا الباب وقف على مفسدات المعاملة فيتقيها وما شذ عنه من الفروع المشكلة فيقع على سبب إشكالها فيتوقف فيها إلى أن يسأل فإنه إذا لم يعلم أسباب الفساد بعلم جملي فلا يدري متى يجب عليه التوقف والسؤال ولو قال لا أقدم العلم ولكني أصبر إلى أن تقع لي الواقعة فعندها أتعلم وأستفتي فيقال له وبم تعلم وقوع الواقعة مهما لم تعلم جمل مفسدات العقود فإنه يستمر في التصرفات ويظنها صحيحة مباحة فلا بد له من هذا القدر من علم التجارة ليتميز له المباح عن المحظور وموضع الإشكال عن موضع الوضوح ولذلك روي عن عمر Bه أنه كان يطوف السوق ويضرب بعض التجار بالدرة ويقول لا يبيع في سوقنا إلا من يفقه وإلا أكل الربا شاء أم أبى وعلم العقود كثير ولكن هذه العقود الستة لا تنفك المكاسب عنها وهي البيع والربا والسلم والإجارة والشركة والقراض فلنشرح شروطها العقد الأول البيع .
وقد أحله الله تعالى وله ثلاثة أركان العاقد والمعقود عليه واللفظ .
الركن الأول العاقد ينبغي للتاجر أن لا يعامل بالبيع أربعة الصبي والمجنون والعبد والأعمى لأن الصبي غير مكلف وكذا المجنون وبيعهما باطل فلا يصح بيع الصبي وإن أذن له فيه الولي عند الشافعي وما أخذه منهما مضمون عليه لهما