بالمصنع الذي عمل به بمال حرام فكأنه انتفاع به .
وامتناع ذي النون من تناول الطعام من يد السجان أعظم من هذا كله لأن يد السجان لا توصف بأنها حرام بخلاف الطبق المغصوب إذا حمل عليه ولكنه وصل إليه بقوة اكتسبت بالغذاء الحرام ولذلك تقيأ الصديق Bه من اللبن خيفة من أن يحدث الحرام فيه قوة مع انه شربه عن جهل وكان لا يجب إخراجه ولكن تخلية البطن عن الخبيث من ورع الصديقين ومن ذلك التورع من كسب حلال اكتسبه خياط يخيط في المسجد فإن احمد C كره جلوس الخياط في المسجد .
وسئل عن المغازلي يجلس في قبة في المقابر وفي وقت يخاف من المطر فقال .
إنما هي من أمر الآخرة وكره جلوسه فيها .
وأطفأ بعضهم سراجا أسرجه غلامه من قوم يكره ما لهم .
وامتنع من تسجير تنور للخبز وقد بقي فيه جمر من حطب مكروه .
وامتنع بعضهم من أن يحكم شسع نعله في مشعل السلطان فهذه دقائق الورع عند سالكى طريق الآخرة .
والتحقيق فيه أن الورع له أول وهو الامتناع عما حرمته الفتوى وهو ورع العدول وله غاية وهو ورع الصديقين وذلك هو الامتناع من كل ما ليس له مما أخذ بشهوة أو توصل إليه بمكروه أو اتصل بسببه مكروه وبينهما درجات في الاحتياط فكلما كان العبد أشد تشديدا على نفسه كان أخف ظهرا يوم القيامة وأسرع جوازا على الصراط وأبعد عن أن تترجح كفه سيئاته على كفة حسناته وتتفاوت المنازل في الآخرة بحسب تفاوت هذه الدرجات في الورع كما تتفاوت درجات النار في حق الظلمة بحسب تفاوت درجات الحرام في الخبث وإذا علمت حقيقة الأمر فإليك الخيار فإن شئت فاستكثر من الاحتياط وإن شئت فرخص فلنفسك تحتاط وعلى نفسك ترخص والسلام .
الباب الثاني في مراتب الشبهات ومثاراتها وتمييزها عن الحلال والحرام .
قال رسول الله A الحلال بين و الحرام بين وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمها كثير من الناس فمن اتقى الشبهات فقد أستبرأ لعرضه ودينه ومن وقع في الشبهات واقع الحرام كالراعي حول الحمى يوشك أن يقع فيه // حديث الحلال بين والحرام بين الحديث متفق عليه من حديث النعمان بن بشير // .
فهذا الحديث نص في إثبات الأقسام الثلاثة والمشكل منها القسم المتوسط الذي لا يعرفه كثير من الناس وهو الشبهة فلا بد من بيانها وكشف الغطاء عنها فإن ما لا يعرفه الكثير فقد يعرف القليل فنقول .
الحلال المطلق هو الذي خلا عن ذاته الصفات الموجبة للتحريم في عينه وانحل عن أسبابه ما تطرق إليه تحريم أو كراهية ومثاله الماء الذي يأخذه الإنسان من المطر قبل أن يقع على ملك أحد يكون هو واقفا عند جمعه وأخذه من الهواء في ملك نفسه أو في أرض مباحة .
والحرام المحض هو ما فيه صفة محرمة لا يشك فيها كالشدة المطربة في الخمر والنجاسة في البول .
أو حصل بسبب منهى عنه قطعا كالمحصل بالظلم والربا ونظائره فهذان طرفان ظاهران ويلتحق بالطرفين ما تحقق أمره ولكنه احتمل تغيره ولم يكن لذلك الاحتمال سبب يدل عليه فإن صيد البر والبحر حلال ومن اخذ ظبية فيحتمل أن يكون قد ملكها صياد ثم أفلتت منه وكذلك السمك يحتمل أن يكون قد تزلق من الصياد بعد وقوعه في يده وخريطته فمثل هذا الاحتمال لا يتطرق إلى ماء المطر المختطف من الهواء ولكنه في معنى ماء المطر