كثير الضباب فبينا القدور تغلى بها إذ قال رسول الله A أمة مسخت من بني إسرائيل أخشى أن تكون هذه فأكفأنا القدور // حديث كنا في سفر مع رسول الله A فأصابنا الجوع فنزلنا منزلا كثير الضباب فبينا القدور تغلى بها إذ قال رسول الله A أمة من بني إسرائيل مسخت فأخاف أن تكون هذه فأكفأنا القدور أخرجه ابن حبان والبيهقي من حديث عبد الرحمن وحسنه وروى أبو داود والنسائي وابن ماجه حديث ثابت بن زيد نحوه مع اختلاف قال البخاري وحديث ثابت أصح // .
ثم أعمله الله بعد ذلك انه لم يمسخ الله خلقا فجعل له نسلا // حديث انه لم يمسخ الله خلقا فجعل له نسلا أخرجه مسلم من حديث ابن مسعود // .
وكان امتناعه أولا لأن الأصل عدم الحل وشك في كون الذبح محللا .
القسم الثاني أن يعرف الحل ويشك في المحرم فالأصل الحل وله الحكم .
كما إذا نكح امرأتين رجلان وطار طائر فقال أحدهما إن كان هذا غرابا فامرأتي طالق وقال الآخر إن لم يكن غرابا فامرأتي طالق .
والتبس أمر الطائر فلا يقضي بالتحريم في واحدة منهما ولا يلزمهما اجتنابهما ولكن الورع اجتنابهما وتطليقهما حتى يحلا لسائر الأزواج وقد أمر مكحول بالاجتناب في هذه المسئلة وأفتى الشعبي بالاجتناب في رجلين كانا قد تنازعا فقال أحدهما للآخر أنت حسود فقال الآخر احسدنا زوجته طالق ثلاثا فقال الآخر نعم وأشكل الأمر وهذا إن أراد به اجتناب الورع فصحيح وإن أراد التحريم المحقق فلا وجه له إذ ثبت في المياه والنجاسات والأحداث والصلوات أن اليقين لا يجب تركه بالشك وهذا في معناه .
فإن قلت وأي مناسبة بين هذا وبين ذلك فاعلم انه لا يحتاج إلى المناسبة فإنه لازم من غير ذلك في بعض الصور فإنه مهما تيقن طهارة الماء ثم شك في نجاسته جاز له أن يتوضأ به فكيف لا يجوز أن يشربه وإذا جوز الشرب فقد سلم أن اليقين لا يزال بالشك إلا أن ههنا دقيقة وهو أن وزان الماء أن يشك في انه طلق زوجته أم لا فيقال الأصل انه ما طلق ووزان مسئلة الطائر أن يتحقق نجاسة أحد الإناءين ويشتبه عينه فلا يجوز أن يستعمل أحدهما بغير اجتهاد لأنه قابل يقين النجاسة بيقين الطهارة فيبطل الاستصحاب فكذلك ههنا قد وقع الطلاق على إحدى الزوجين قطعا والتبس عين المطلقة بغير المطلقة فنقول اختلف أصحاب الشافعي في الإناءين على ثلاثة أوجه فقال قوم يستصحب بغير اجتهاد وقال قوم بعد حصول يقين النجاسة في مقابلة يقين الطهارة يجب الاجتناب ولا يغنى الاجتهاد .
وقال المقتصدون يجتهد وهو الصحيح ولكن وزانه أن تكون له زوجتان فيقول إن كان غرابا فزينب طلق وإن لم يكن فعمرة طالق فلا جرم لا يجوز له غشيانهما بالاستصحاب ولا يجوز الاجتهاد إذ لا علامة ونحرمهما عليه لأنه لو وطئهما كان مقتحما للحرام قطعا وإن وطيء إحداهما وقال أقتصر على هذه كان متحكما بتعيينها من غير ترجيح .
ففي هذا افترق حكم شخص واحد أو شخصين لأن التحريم على شخص واحد متحقق بخلاف الشخصين .
إذ كل واحد شك في التحريم في حق نفسه .
فإن قيل فلو كان الإناء أن لشخصين فينبغي أن يستغنى عن الاجتهاد ويتوضأ كل واحد بإنائه لأنه تيقن طهارته وقد شك الآن فيه فنقول هذا محتمل في الفقه والأرجح في ظني المنع وإن تعدد الشخصين ههنا كاتحاده لأن صحة الوضوء لا تستدعى ملكا بل وضوء الإنسان بماء غيره في رفع الحدث كوضوئه بماء نفسه فلا يتبين لاختلاف الملك واتحاده أثر بخلاف الوطء لزوجة الغير فإنه لا يحل ولأن للعلامات مدخلا في النجاسات والاجتهاد فيه ممكن بخلاف الطلاق فوجب تقوية الاستصحاب بعلامة ليدفع بها قوة يقين النجاسة المقابلة ليقين الطهارة وأبواب الاستصحاب والترجيحات من غوامض الفقه ودقائقه وقد استقصيناه في كتب الفقه ولسنا نقصد الآن إلا التنبيه على قواعدها