الباب الخامس في إدرارات السلاطين وصلاتهم وما يحل منها وما يحرم .
أعلم أن من أخذ مالا من سلطان فلا بد له من النظر في ثلاثة أمور في مدخل ذلك إلى يد السلطان من أين هو وفي صفته التي بها يستحق الأخذ .
وفي المقدار الذي يأخذه هل يستحقه إذا أضيف إلى حاله وحال شركائه في الاستحقاق النظر الأول في جهات الدخل للسلطان .
و كل ما يحل للسلطان سوى الأحياء وما يشترك فيه الرعية قسمان .
مأخوذ من الكفار وهو الغنيمة المأخوذة بالقهر والفيء وهو الذي حصل من مالهم في يده من غير قتال والجزية وأموال المصالحة وهي التي تؤخذ بالشروط والمعاقدة .
والقسم الثاني المأخوذ من المسلمين فلا يحل منه إلا قسمان المواريث وسائر الأمور الضائعة التي لا يتعين لها مالك والأوقاف التي لا متولى لها أما الصدقات فليست توجد في هذا الزمان .
وما عدا ذلك من الخراج المضروب على المسلمين و المصادرات وأنواع الرشوة كلها حرام .
فإذا كتب لفقيه أو غيره إدرار أو صلة أو خلعة على جهة فلا يخلو من أحوال ثمانية فانه أما أن يكتب له ذلك على الجزية أو على المواريث أو على الأوقاف أو على ملك أحياء السلطان أو على ملك اشتراه أو على عامل خراج المسلمين أو على بياع من جملة التجار أو على الخزانة .
فالأول هو الجزية وأربعة أخماسها للمصالح وخمسها لجهات معينة .
فما يكتب على الخمس من تلك الجهات أو على الأخماس الأربعة لما فيه مصلحة وروعي فيه الاحتياط في القدر فهو حلال بشرط أن لا تكون الجزية إلا مضروبة على وجه شرعى ليس فيها زيادة على دينار أو على أربعة دنانير فإنه أيضا في محل الاجتهاد وللسلطان أن يفعل ما هو في محل الاجتهاد وبشرط أن يكون الذمي الذي تؤخذ الجزية منه مكتسبا من وجه لا يعلم تحريمه فلا يكون عامل سلطان ظالما ولا بياع خمر ولا صبيا ولا امرأة إذ لا جزية عليهما .
فهذه أمور تراعى في كيفية ضرب الجزية ومقدارها وصفة من تصرف إليه ومقدار ما يصرف فيجب النظر في جميع ذلك .
الثاني المواريث والأموال الضائعة فهي للمصالح و النظر أن الذي خلفه هل كان ماله كله حراما أو أكثره أو أقله وقد سبق حكمه فان لم يكن حراما بقى النظر في صفة من يصرف إليه بأن يكون في الصرف إليه مصلحة ثم في المقدار المصروف .
الثالث الأوقاف وكذا يجرى النظر فيها كما يجري في الميراث مع زيادة أمر وهو شرط المواقف حتى يكون المأخوذ موافقا له في جميع شرائطه .
الرابع ما أحياه السلطان وهذا لا يعتبر فيه شرط إذ له أن يعطى من ملكه لمن شاء أي قدر شاء .
وإنما النظر في أن الغالب انه أحياه بإكراه الأجراء أو بأداء أجرتهم من حرام .
فإن الأحياء يحصل بحفر القناة و الأنهار وبناء الجدران وتسوية الأرض ولا يتولاه السلطان بنفسه .
فإن كانوا مكرهين على الفعل لم يملكه السلطان وهو حرام وان كانوا مستأجرين ثم قضيت أجورهم من الحرام فهذا يورث شبهة قد نبهنا عليها في تعلق الكرامة بالأعواض