وذلك لا يدل على أن ترك الجهاد أفضل .
وفي مخالطة الناس مجاهدة ومقاساة ولذلك قال A الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم // حديث الذي يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم أخرجه الترمذي وابن ماجه من حديث ابن عمر ولم يسم الترمذي الصحابي قال شيخ من أصحاب النبي A والطريق واحد // .
وعلى هذا ينزل قوله A رجل معتزل يعبد ربه ويدع الناس من شره فهذا إشارة إلى شرير بطبعه تتأذى الناس بمخالطته .
وقوله إن الله يحب التقي الخفي إشارة إلى إيثار الخمول وتوقي الشهرة .
وذلك لا يتعلق بالعزلة فكم من راهب معتزل تعرفه كافة الناس وكم من مخالط خامل لا ذكر له ولا شهرة فهذا تعرض لأمر لا يتعلق بالعزلة .
واحتجوا بما روي أنه A قال لأصحابه ألا أنبئكم بخير الناس قالوا بلى يا رسول الله فأشار بيده نحو المغرب وقال رجل آخذ بعنان فرسه في سبيل الله ينتظر أن يغير أو يغار عليه ألا أنبئكم بخير الناس بعده وأشار بيده نحو الحجاز وقال رجل في غنمه يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة ويعلم حق الله في ماله اعتزل شرور الناس // حديث ألا أنبئكم بخير الناس قالوا بلى قال فأشار بيده نحو المغرب وقال رجل أخذ بعنان فرسه في سبيل الله ينتظر أن يغير أو يغار عليه الحديث أخرجه الطبراني من حديث أم مبشر إلا أنه قال نحو المشرق بدل المغرب وفيه ابن إسحاق رواه بالعنعنة وللترمذي والنسائي نحوه مختصرا من حديث ابن عباس قال الترمذي حديث حسن // .
فإذا ظهر أن هذه الأدلة لا شفاء فيها من الجانبين فلا بد من كشف الغطاء بالتصريح بفوائد العزلة وغوائلها ومقايسة بعضها بالبعض ليتبين الحق فيها .
الباب الثاني في فوائد العزلة وغوائلها وكشف الحق في فضلها .
اعلم أن اختلاف الناس في هذا يضاهي اختلافهم في فضيلة النكاح والعزوبة .
وقد ذكرنا أن ذلك يختلف باختلاف الأحوال والأشخاص بحسب ما فصلناه من آفات النكاح وفوائده فكذلك القول فيما نحن فيه .
فلنذكر أولا فوائد العزلة وهي تنقسم إلى فوائد دينية ودنيوية .
والدينية تنقسم إلى ما يمكن من تحصيل الطاعات في الخلوة والمواظبة على العبادة والفكر وتربية العلم وإلى تخلص من ارتكاب المناهي التي يتعرض الإنسان لها بالمخالطة كالرياء والغيبة والسكوت عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومسارقة الطبع من الأخلاق الرديئة والأعمال الخبيثة من جلساء السوء .
وأما الدنيوية فتنقسم إلى ما يمكن من التحصيل بالخلوة كتمكن المحترف في خلوته إلى ما يخلص من محذورات يتعرض لها بالمخالطة كالنظر إلى زهرة الدنيا وإقبال الخلق عليها وطمعه في الناس وطمع الناس فيه وانكشاف ستر مروءته بالمخالطة والتأذي بسوء خلق الجليس في مرائه أو سوء ظنه أو نميمته أو محاسدته أو التأذي بثقله وتشويه خلقته .
وإلى هذا ترجع مجامع فوائد العزلة فلنحصرها في ست فوائد .
الفائدة الأولى التفرغ للعبادة والفكر والاستئناس بمناجاة الله .
تعالى عن مناجاة الخلق والاشتغال باستكشاف أسرار الله تعالى في أمر الدنيا والآخرة وملكوت السموات والأرض فإن ذلك يستدعي فراغا ولا فراغ مع المخالطة فالعزلة وسيلة إليه .
ولهذا قال بعض الحكماء لا يتمكن أحد من الخلوة إلا بالتمسك بكتاب الله تعالى .
والمتمسكون بكتاب الله تعالى هم الذين استراحوا من الدنيا بذكر الله الذاكرون الله بالله عاشوا بذكر الله وماتوا بذكر الله ولقوا الله