بالإضافة إلى حاله وليس بحق في نفسه إذ الحق لا يكون إلا واحدا .
ولذلك قال أبو عبد الله الجلاء وقد سئل عن الفقر فقال اضرب بكميك الحائط وقل ربي الله فهو الفقر .
وقال الجنيد الفقير هو الذي لا يسأل احدا ولا يعارض وإن عورض سكت .
وقال سهل بن عبد الله الفقير الذي لا يسأل ولا يدخر .
وقال آخر هو أن لا يكون لك فإن كان لك فلا يكون لك من حيث لم يكن لك .
وقال إبراهيم الخواص هو ترك الشكوى وإظهار اثر البلوى .
والمقصود أنه لو سئل منهم مائة لسمع منهم مائة جواب مختلفة قلما يتفق منها اثنان وذلك كله حق من وجه فإنه خبر كل واحد عن حاله وما غلب على قلبه .
ولذلك لا نرى اثنين منهم يثبت أحدهما لصاحبه قدما في التصوف أو يثني عليه بل كل واحد منهم يدعي أنه الواصل إلى الحق والواقف عليه لأن اكثر ترددهم على مقتضى 2الأحوال التي تعرض لقلوبهم فلا يشتغلون إلا بأنفسهم ولا يلتفتون إلى غيرهم .
ونور العلم إذا أشرق أحاط بالكل وكشف الغطاء ورفع الاختلاف .
ومثال نظر هؤلاء ما رأيت من نظر قوم في أدلة الزوال بالنظر في الظل فقال بعضهم هو في الصيف قدمان وحكي عن آخر أنه نصف قدم وآخر يرد عليه وأنه في الشتاء سبعة أقدام وحكى عن آخر أنه خمسة أقدام وآخر يرد عليه فهذا يشبه أجوبة الصوفية واختلافهم فإن كل واحد من هؤلاء أخبر عن الظل الذي رآه ببلد نفسه فصدق في قوله وأخطأ في تخطئته صاحبه إذ ظن أن العالم كله بلده أو هو مثل بلده كما أن الصوفي لا يحكم على العالم إلا بما هو حال نفسه والعالم بالزوال هو الذي يعرف علة طول الظل وقصره وعلة اختلافه بالبلاد فيخبر بأحكام مختلفة في بلاد مختلفة ويقول في بعضها لا يبقى ظل وفي بعضها يطول وفي بعضها يقصر فهذا ما أردنا أن نذكره من فضيلة العزلة والمخالطة .
فإن قلت فمن آثر العزلة ورآها أفضل له وأسلم فما آدابه في العزلة فنقول إنما يطول النظر في آداب المخالطة وقد ذكرناها في .
كتاب آداب الصحبة وأما آداب العزلة فلا تطول فينبغي للمعتزل أن .
ينوي بعزلته كف شر نفسه عن الناس أولا .
ثم طلب السلامة من شر الاشرار ثانيا .
ثم الخلاص من آفة القصور عن القيام بحقوق المسلمين ثالثا .
ثم التجرد بكنه الهمة لعبادة الله رابعا فهذه آداب نيته .
ثم ليكن في خلوته مواظبا على العلم والعمل والذكر والفكر ليجتني ثمرة العزلة وليمنع الناس عن أن يكثروا غشيانه وزيارته فيشوش أكثر وقته .
وليكف عن السؤال عن أخبارهم وعن الإصغاء إلى أراجيف البلد وما الناس مشغولون به فإن كل ذلك ينغرس في القلب حتى ينبعث في أثناء الصلاة أو الفكر من حيث لا يحتسب فوقوع الأخبار في السمع كوقوع البذر في الأرض فلا بد أن ينبت وتتفرع عروقه وأغصانه ويتداعى بعضها إلى بعض .
وأحد مهمات المعتزل قطع الوساوس الصارفة عن ذكر الله .
والأخبار ينابيع الوساوس وأصولها .
وليقنع باليسير من المعيشه وإلا اضطره التوسع إلى الناس واحتاج إلى مخالطتهم .
وليكن صبورا على ما يلقاه من أذى الجيران وليسد سمعه عن الإصغاء إلى ما يقال فيه من ثناء عليه بالعزلة أو قدح فيه بترك الخلطة فإن كل ذلك يؤثر في القلب ولو مدة يسيرة وحال اشتغال القلب به لا بد أن يكون واقفا عن سيره إلى طريق الآخرة فإن السير إما بالمواظبة على ورد وذكر مع حضور قلب وإما بالفكر في جلال الله وصفاته وأفعاله وملكوت سمواته وأرضه وإما بالتأمل في دقائق الأعمال ومفسدات القلوب وطلب طرق التحصن منها .
وكل ذلك يستدعى الفراغ والاصغاء إلى جميع ذلك مما يشوش القلب في الحال .
وقد يتجدد ذكره في دوام الذكر من حيث لا ينتظر .
وليكن له أهل صالحة أو جليس صالح لتستريح نفسه إليه في اليوم ساعة من كد المواظبة ففيه عون على بقية الساعات .
ولا يتم له الصبر في العزلة إلا بقطع الطمع عن الدنيا