فإن النظر إلى وجوه العلماء والصلحاء عبادة .
وفيه أيضا حركة للرغبة في الاقتداء بهم والتخلق بأخلاقهم وآدابهم هذا سوى ما ينتظر من الفوائد العلمية المستفادة من أنفاسهم وأفعالهم كيف ومجرد زيارة الإخوان في الله فيه فضل كما ذكرناه في .
كتاب الصحبة وفي التوراة سر أربعة أميال زر أخا في الله وأما .
البقاع فلا معنى لزيارتها سوى المساجد الثلاثة وسوى الثغور للرباط بها فالحديث ظاهر في أنه لا تشد الرحال لطلب بركة البقاع إلا إلى المساجد الثلاثة .
وقد ذكرنا فضائل الحرمين في .
كتاب الحج وبيت المقدس أيضا له فضل كبير خرج ابن عمر من .
المدينة قاصدا بيت المقدس حتى صلى فيه الصلوات الخمس ثم كرراجعا من الغد إلى المدينة .
وقد سأل سليمان عليه السلام ربه D أن من قصد هذا المسجد لا يعنيه إلا الصلاة فيه أن لا تصرف نظرك عنه ما دام مقيما فيه حتى يخرج منه وأن تخرجه من ذنوبه كيوم ولدته أمه فأعطاه الله ذلك .
القسم الثالث أن يكون السفر للهرب من سبب مشوش للدين .
وذلك أيضا حسن فالفرار مما لا يطاق من سنن الأنبياء والمرسلين .
ومما يجب الهرب منه الولاية والجاه وكثرة العلائق والأسباب فإن كل ذلك يشوش فراغ القلب والدين لا يتم إلا بقلب فارغ عن غير الله فإن لم يتم فراغه فلا يتصور أن يشتغل بالدين .
ولا يتصور فراغ القلب في الدنيا عن مهمات الدنيا والحاجات الضرورية ولكن يتصور تخفيفها وتثقيلها وقد نجا المخفون وهلك المثقلون .
والحمد لله الذي لم يعلق النجاة بالفراغ المطلق عن جميع الأوزار والأعباء بل قبل المخف بفضله وشمله بسعة رحمته .
والمخف هو الذي ليست الدنيا أكبر همه وذلك لا يتيسر في الوطن لمن اتسع جاهه وكثرت علائقه فلا يتم مقصوده إلا بالغربة والخمول وقطع العلائق التي لا بد عنها حتى يروض نفسه مدة مديدة .
ثم ربما يمده الله بمعونته فينعم عليه بما يقوي به يقينه ويطمئن به قلبه فيستوي عنده الحضر والسفر ويتقارب عنده وجود الأسباب والعلائق وعدمها فلا يصده شيء منها عما هو بصدده من ذكر الله وذلك مما يعز وجوده جدا بل الغالب على القلوب الضعف والقصور عن الاتساع للخلق والخالق وإنما يسعد بهذه القوة الأنبياء والأولياء والوصول إليها بالكسب شديد وإن كان للاجتهاد والكسب فيها مدخل أيضا .
ومثال تفاوت القوة الباطنة فيه كتفاوت القوة الظاهرة في الاعضاء فرب رجل قوي ذي مرة سوى شديد الأعصاب محكم البنية يستقل بحمل ما وزنه ألف رطل مثلا فلو أراد الضعيف المريض أن ينال رتبته بممارسة الحمل والتدريج فيه قليلا قليلا لم يقدر عليه ولكن الممارسة والجهد يزيد في قوته زيادة ما وإن كان ذلك لا يبلغه درجته فلا ينبغي أن يترك الجهد عند اليأس عن الرتبة العليا فإن ذلك غاية الجهل ونهاية الضلال .
وقد كان من عادة السلف Bهم مفارقة الوطن خيفة من الفتن .
وقال سفيان الثوري هذا زمان سوء لا يؤمن فيه على الخامل فكيف على المشتهرين هذا زمان رجل ينتقل من بلد إلى بلد كلما عرف في موضع تحول إلى غيره .
وقال أبو نعيم رأيت سفيان الثوري وقد علق قلته بيده ووضع جرابه على ظهره فقلت إلى أين يا أبا عبد الله قال بلغني عن قرية فيها رخص أريد أن أقيم بها فقلت له وتفعل هذا قال نعم إذا بلغك أن قرية فيها رخص فأقم بها فإنه أسلم لدينك وأقل لهمك وهذا هرب من غلاء السعر .
وكان سرى السقطي يقول للصوفية إذا خرج الشتاء فقد خرج أذار وأورقت الأشجار وطاب الإنتشار فانتشروا .
وقد كان الخواص لا يقيم ببلد أكثر من أربعين يوما .
وكان من المتوكلين ويرى الإقامة اعتمادا على الأسباب قادحا في التوكل .
وسيأتي أسرار