عن حقيقة ذاته .
فإذا انكشف الغطاء عن دليل الإباحة فلا نبالي بمن يخالف بعد ظهور الدليل .
وأما الشافعي Bه فليس تحريم الغناء من مذهبه أصلا .
وقد نص الشافعي وقال في الرجل يتخذه صناعة لا تجوز شهادته .
وذلك لأنه من اللهو المكروه الذي يشبه الباطل ومن اتخذه صنعة كان منسوبا إلى السفاهة وسقوط المروءة وإن لم يكن محرما بين التحريم .
فإن كان لا ينسب نفسه إلى الغناء ولا يؤتى لذلك ولا يأتى لأجله وإنما يعرف بأنه قد يطرب في الحال فيترنم بها لم يسقط هذا مروءته ولم يبطل شهادته .
واستدل بحديث الجاريتين اللتين كانتا تغنيان في بيت عائشة Bها وقال يونس بن عبد الأعلى سألت الشافعي C عن إباحة أهل المدينة للسماع فقال الشافعي .
لا أعلم أحدا من علماء الحجاز كره السماع إلا ما كان منه في الأوصاف فأما الحداء وذكر الأطلال والمرابع وتحسين الصوت بألحان الأشعار فمباح .
وحيث قال إنه لهو مكروه يشبه الباطل فقوله لهو صحيح .
ولكن اللهو من حيث إنه لهو ليس بحرام فلعب الحبشة ورقصهم لهو وقد كان A ينظر إليه ولا يكرهه .
بل اللهو واللغو لا يؤاخذ الله تعالى به إن عنى به أنه فعل ما لا فائدة فيه .
فإن الإنسان لو وظف على نفسه أن يضع يده على رأسه في اليوم مائة مرة فهذا عبث لا فائدة له ولا يحرم .
قال الله تعالى لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم فإذا كان ذكر اسم الله تعالى على الشيء على طريق القسم من غير عقد عليه ولا تصميم والمخالفة فيه مع أنه لا فائدة فيه لا يؤاخذ فكيف يؤاخذ به بالشعر والرقص .
وأما قوله يشبه الباطل فهذا لا يدل على اعتقاد تحريمه بل لو قال هو باطل صريحا .
لما دل على التحريم وإنما يدل على خلوه عن الفائدة فالباطل ما لا فائدة فيه .
فقول الرجل لامرأته مثلا بعت نفسي منك وقولها اشتريت عقد باطل مهما كان القصد اللعب والمطايبة وليس بحرام إلا إذا قصد به التمليك المحقق منع الشرع منه .
وأما قوله مكروه فينزل بعض المواضع التي ذكرتها لك أو ينزل على التنزيه فإنه نص على إباحة لعب الشطرنج وذكر أنى أكره لعب وتعليله يدل عليه فإنه قال ليس ذلك من عادة ذوي الدين والمروءة .
فهذا يدل على التنزيه .
ورده الشهادة بالمواظبة عليه لا يدل على تحريمه أيضا بل قد ترد الشهادة بالأكل في السوق وما يحرم المروءة بل الحياكة مباحة وليست من صنائع ذوي المروءة وقد ترد شهادة المحترف بالحرفة الخسيسة فتعليله يدل على أنه أراد بالكراهة التنزيه .
وهذا هو الظن أيضا بغيره من كبار الأئمة .
وإن أرادوا التحريم فما ذكرناه حجة عليهم .
بيان حجج القائلين بتحريم السماع والجواب عنها .
احتجوا بقوله تعالى ومن الناس من يشتري لهو الحديث قال ابن مسعود والحسن البصري والنخعي Bهم إن لهو الحديث هو الغناء .
وروت عائشة Bها أن النبي A قال إن الله تعالى حرم القينة وبيعها وثمنها وتعليمها // حديث عائشة إن الله حرم القينة وبيعها وثمنها وتعليمها أخرجه الطبراني في الأوسط بإسناد ضعيف قال البيهقي ليس بمحفوظ // .
فنقول أما القينة فالمراد بها الجارية التي تغني للرجال في مجلس الشرب .
وقد ذكرنا أن غناء الأجنبية للفساق ومن يخاف عليهم الفتنة حرام وهم لا يقصدون بالفتنة إلا ما هو محظور فأما غناء الجارية لمالكها فلا يفهم تحريمه من هذا الحديث بل لغير مالكها سماعها عند عدم الفتنة .
بدليل ما روي في الصحيحين من غناء الجاريتين في بيت عائشة Bها .
وأما شراء لهو الحديث بالدين استبدالا به ليضل به عن سبيل الله