خدمه .
فيستقر هو أعني المدرك من الإنسان في القلب الذي هو وسط مملكته كالملك ويجري القوة الخيالية المودعة في مقدم الدماغ مجرى صاحب بريدة إذ تجتمع أخبار المحسوسات عنده ويجري القوة الحافظة التي مسكنها مؤخر الدماغ مجرى خازنه ويجري اللسان مجرى ترجمانه ويجري الأعضاء المتحركة مجرى كتابه ويجري الحواس الخمس مجرى جواسيسه فيوكل كل واحد منها بأخبار صقع من الأصقاع فيوكل العين بعالم الألوان والسمع بعالم الأصوات والشم بعالم الروائح .
وكذلك سائرها فإنها أصحاب أخبار يلتقطونها من هذه العوالم ويؤدونها إلى القوة الخيالية التي هي كصاحب البريد ويسلمها صاحب البريد إلى الخازن وهي الحافظة ويعرضها الخازن على الملك فيقتبس الملك منها ما يحتاج إليه في تدبير مملكته وإتمام سفره الذي هو بصدده وقمع عدوه الذي هو مبتلي به ودفع قواطع الطريق عليه فإذا فعل ذلك كان موفقا سعيدا شاكرا نعمة الله وإذا عطل هذه الجملة أو استعملها لكن في مراعاة أعدائه وهي الشهوة والغضب وسائر الحظوظ العاجلة أو في عمارة طريقه دون منزله إذ الدنيا طريقه التي عليها عبوره ووطنه ومستقره الآخرة كان مخذولا شقيا كافرا بنعمة الله تعالى مضيعا لجنود الله تعالى ناصرا لأعداء الله مخذلا لحزب الله فيستحق المقت والإبعاد في المنقلب والمعاد نعوذ بالله من ذلك .
وإلى المثال الذي ضربناه أشار كعب الأحبار حيث قال دخلت على عائشة Bها فقلت الإنسان عيناه هاد وأذناه قمع ولسانه ترجمان ويداه جناحان ورجلاه بريد والقلب منه ملك // حديث عائشة الإنسان عيناه هاد وأذناه قمع ولسانه ترجمان الحديث أخرجه أو نعيم في الطب النبوي والطبراني في مسند الشاميين والبيهقي في الشعب من حديث أبي هريرة ونحوه وله ولأحمد من حديث أبي ذر وأما الأذن فقمع وأما العين فمقرة لما يوعي القلب ولا يصح منها شيء .
فإذا طاب الملك طابت جنوده فقالت هكذا سمعت رسول الله A يقول .
وقال علي Bه في تمثيل القلوب إن لله تعالى في أرضه آنية وهي القلوب فأحبها إليه تعالى أرقها وأصفاها وأصلبها ثم فسره فقال أصلبها في الدين وأصفاها في اليقين وأرقها على الإخوان وهو إشارة إلى قوله تعالى أشداء على الكفار رحماء بينهم وقوله تعالى مثل نوره كمشكاة فيها مصباح قال أبي بن كعب Bه معناه مثل نور المؤمن وقلبه وقوله تعالى أو كظلمات في بحر لجي مثل قلب المنافق .
وقال زيد بن أسلم في قوله تعالى في لوح محفوظ وهو قلب المؤمن .
وقال سهل مثل القلب والصدر مثل العرش والكرسي فهذه أمثلة القلب .
بيان مجامع أوصاف القلب وأمثلته .
اعلم أن الإنسان قد اصطحب في خلقته وتركيبه أربع شوائب فلذلك اجتمع عليه أربعة أنواع من الأوصاف وهي الصفات السبعية والبهيمية والشيطانية والربانية .
فهو من حيث سلط عليه الغضب يتعاطى أفعال السباع من العداوة والبغضاء والتهجم على الناس بالضرب والشتم .
ومن حيث سلطت عليه الشهوة يتعاطى أفعال البهائم من الشره والحرص والشبق وغيره .
ومن حيث إنه في نفسه أمر رباني كما قال الله تعالى قل الروح من أمر ربي فإنه يدعي لنفسه الربوبية ويحب الاستيلاء والاستعلاء والتخصص والاستبداد بالأمور كلها والتفرد بالرياسة والانسلال عن ربقة العبودية والتواضع ويشتهي الاطلاع على العلوم كلها بل يدعي لنفسه العلم والمعرفة والإحاطة بحقائق الأمور ويفرح إذا نسب إلى العلم ويحزن إذا نسب إلى الجهل والإحاطة بجميع الحقائق والاستيلاء بالقهر على جميع الخلائق من أوصاف الربوبية وفي الإنسان حرص على ذلك .
ومن حيث يختص من البهائم بالتمييز مع مشاركته لها في الغضب والشهوة حصلت فيه شيطانية فصار شريرا يستعمل التمييز في