بيان تفصيل مداخل الشيطان إلى القلب .
اعلم أن مثال القلب مثال حصن والشيطان عدو يريد أن يدخل الحصن فيملكه ويستولي عليه ولا يقدر على حفظ الحصن من العدو إلا بحراسة أبواب الحصن ومداخله ومواضع ثلمه ولا يقدر على حراسة أبوابه من لا يدري أبوابه فحماية القلب عن وسواس الشيطان واجبة وهو فرض عين على كل عبد مكلف وما لا يتوصل إلى الواجب إلا به فهو أيضا واجب ولا يتوصل إلى دفع الشيطان إلا بمعرفة مداخله فصارت معرفة مداخله واجبة ومداخل الشيطان وأبوابه صفات العبد وهي كثيرة ولكنا نشير إلى الأبواب العظيمة الجارية مجرى الدروب التي لا تضيق عن كثرة جنود الشيطان .
فمن أبوابه العظيمة الغضب والشهوة فإن الغضب هو غول العقل وإذا ضعف جند العقل هجم جند الشيطان ومهما غضب الإنسان لعب الشيطان به كما يلعب الصبي بالكرة فقد روي أن موسى عليه السلام لقيه إبليس فقال له يا موسى أنت الذي اصطفاك الله برسالته وكلمك تكليما وأنا خلق من خلق الله أذنبت وأريد أن أتوب فاشفع لي إلى ربي أن يتوب علي فقال موسى نعم فلما صعد موسى الجبل وكلم ربه D وأراد النزول قال له ربه أد الأمانة فقال موسى يا رب عبدك إبليس يريد أن تتوب عليه فأوحى الله تعالى إلى موسى يا موسى قد قضيت حاجتك مره أن يسجد لقبر آدم حتى يتاب عليه فلقي موسى إبليس فقال له قد قضيت حاجتك أمرت أن تسجد لقبر آدم حتى يتاب عليك فغضب واستكبر وقال لم أسجد له حيا أسجد له ميتا ثم قال له يا موسى إن لك علي حقا بما شفعت لي إلى ربك فاذكرني عند ثلاث لا أهلكك فيهن اذكرني حين تغضب فإن روحي في قلبك وعيني في عينك وأجري منك مجرى الدم اذكرني إذا غضبت فإنه إذا غضب الإنسان نفخت فيه أنفه فما يدري ما يصنع واذكرني حين تلقي الزحف فإني آتى ابن آدم حين يلقى الزحف فأذكره زوجته وولده وأهله حتى يولى وإياك أن تجلس إلى امرأة ليست بذات محرم فإني رسولها إليك ورسولك إليها فلا أزال حتى أفتنك بها وأفتنها بك فقد أشار بهذا إلى الشهوة والغضب والحرص فإن الفرار من الزحف حرص على الدنيا وامتناعه من السجود لآدم ميتا هو الحسد وهو أعظم مداخله وقد ذكر أن بعض الأولياء قال لإبليس أرني كيف تغلب ابن آدم فقال آخذه عند الغضب وعند الهوى فقد حكى أن إبليس ظهر لراهب فقال له الراهب أي أخلاق بني آدم أعون لك قال الحدة فإن العبد إذا كان حديدا قلبناه كما يقلب الصبيان الكرة وقيل إن الشيطان يقول كيف يغلبني ابن آدم وإذا رضي جئت حتى أكون في قلبه وإذا غضب طرت حتى أكون في رأسه .
ومن أبوابه العظيمة الحسد والحرص فمهما كان العبد حريصا على كل شيء أعماه حرصه وأصمه إذ قال A حبك للشيء يعمي ويصم // حديث حبك للشيء يعمي ويصم أخرجه أبو داود من حديث أبي الدرداء بإسناد ضعيف ونور البصيرة هو الذي يعرف مداخل الشيطان فإذا غطاء الحسد والحرص لم يبصر فحينئذ يجد الشيطان فرصة فيحسن عند الحريص كل ما يوصله إلى شهوته وإن كان منكرا وفاحشا فقد روي أن نوحا عليه السلام لما ركب السفينة حمل فيها من كل زوجين اثنين كما أمره الله تعالى فرأى في السفينة شيخا لم يعرفه فقال له نوح ما أدخلك فقال دخلت لأصيب قلوب أصحابك فتكون قلوبهم معي وأبدانهم معك فقال له نوح أخرج منها يا عدو الله فإنك لعين فقال له إبليس خمس أهلك بهن الناس وسأحدثك منهم بثلاث ولا أحدثك باثنتين فأوحى الله تعالى إلى نوح أنه لا حاجة لك بالثلاث فليحدثك بالاثنين فقال له نوح