ولذلك شدد أمر المنافقين فقال تعالى إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار لأن الكافر كفر وأظهر وهذا كفر وستر فكان ستره لكفره كفرا آخر لأنه استخف بنظر الله سبحانه وتعالى إلى قلبه وعظم نظر المخلوقين فمحا الكفر عن ظاهره والعارفون يبتلون بالشهوات بل بالمعاصي ولا يبتلون بالرياء والغش والإخفاء بل كمال العارف أن يترك الشهوات لله تعالى ويظهر من نفسه الشهوة إسقاطا لمنزلته من قلوب الخلق وكان بعضهم يشتري الشهوات ويعلقها في البيت وهو فيها من الزاهدين وإنما يقصد به تلبيس حاله ليصرف عنه نفسه قلوب الغافلين حتى لا يشوشون عليه حاله .
فنهاية الزهد الزهد في الزهد بإظهار ضده وهذا عمل الصديقين فإنه جمع بين صدقين كما أن الأول جمع بين كذبين وهذا قد حمل على النفس ثقلين وجرعها كأس الصبر مرتين مرة بشربه ومرة برميه فلا جرم أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا وهذا يضاهي طريق من يعطي جهرا فيأخذ ويرد سرا ليكسر نفسه بالذل جهرا وبالفقر سرا فمن فاته هذا فلا ينبغي أن يفوته إظهار شهوته ونقصانه والصدق فيه ولا ينبغي أن يغره قول الشيطان إنك إذا أظهرت اقتدى بك غيرك فاستره إصلاحا لغيرك فإنه لو قصد إصلاح غيره لكان إصلاح نفسه أهم عليه من غيره فهذا إنما يقصد الرياء المجرد ويروجه الشيطان عليه في معرض إصلاح غيره فلذلك ثقل عليه ظهور ذلك منه واعلم أن من اطلع عليه ليس يقتدي به في الفعل أو لا ينزجر باعتقاده أنه تارك للشهوات .
الآفة الثانية أن يقدر على ترك الشهوات لكنه يفرح أن يعرف به فيشتهر بالتعفف عن الشهوات فقد خالف شهوة ضعيفة وهي شهوة الأكل وأطاع شهوة هي شر منها وهي شهوة الجاه وتلك هي الشهوة الخفية فمهما أحس بذلك من نفسه فكسر هذه الشهوة آكد من كسر شهوة الطعام فليأكل فهو أولى له قال أبو سليمان إذا قدمت إليك شهوة وقد كنت تاركا لها فأصب منها شيئا يسيرا ولا تعط نفسك مناها فتكون قد أسقطت عن نفسك الشهوة وتكون قد نغصت عليها إذا لم تعطها شهوتها وقال محمد بن جعفر الصادق إذا قدمت إلى شهوة نظرت إلى نفسي فإن هي أظهرت شهوتها أطعمتها منها وكان ذلك أفضل من منعها وإن أخفت شهوتها وأظهرت العزوب عنها عاقبتها بالترك ولم أنلها منها شيئا وهذا طريق في عقوبة النفس على هذه الشهوة الخفية .
وبالجملة من ترك شهوة الطعام ووقع في شهوة الرياء كان كمن هرب من عقرب وفزع إلى حية لأن شهوة الرياء أضر كثيرا من شهوة الطعام والله ولي التوفيق .
القول في شهوة الفرج .
اعلم أن شهوة الوقاع سلطت على الإنسان لفائدتين إحداهما أن يدرك لذته فيقيس به لذات الآخرة .
فإن لذة الوقاع لو دامت لكانت أقوى لذات الأجساد كما أن النار وآلامها أعظم آلام الجسد والترغيب والترهيب يسوق الناس إلى سعادتهم وليس ذلك إلا بألم محسوس ولذة محسوسة مدركة فإن ما لا يدرك بالذوق لا يعظم إليه الشوق .
الفائدة الثانية بقاء النسل ودوام الوجود فهذه فائدتها ولكن فيها من الآفات ما يهلك الدين والدنيا إن لم تضبط ولم تقهر ولم ترد إلى حد الاعتدال وقد قيل في تأويل قوله تعالى ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به معناه شدة الغلمة وعن ابن عباس في قوله تعالى ومن شر غاسق إذا وقب قال هو قيام الذكر وقد أسنده بعض الرواة إلى رسول الله A إلا أنه قال في تفسيره الذكر إذا دخل وقد قيل إذا