فقال هو لك فأخذه ومضى به إلى العامل فقال العامل في كتابك أن أذبحك وأسلخك قال إن الكتاب ليس هو لي فالله الله في أمري حتى تراجع الملك فقال ليس لكتاب الملك مراجعة فذبحه وسلخه وحشى جلده تبنا وبعث به ثم عاد الرجل إلى الملك كعادته وقال مثل قوله فعجب الملك وقال ما فعل الكتاب فقال لقيني فلان فاستوهبه مني فوهبته له قال له الملك إنه ذكر لي أنك تزعم أني أبخر قال ما قلت ذلك قال فلما وضعت يدك على فيك قال لأنه أطعمني طعاما فيه ثوم فكرهت أن تشمه قال صدقت ارجع إلى مكانك فقد كفي المسيء إساءته وقال ابن سيرين C ما حسدت أحدا على شيء من أمر الدنيا لأنه إن كان من أهل الجنة فكيف أحسده على الدنيا وهي حفيرة في الجنة وإن كان من أهل النار فكيف أحسده على أمر الدنيا وهو يصير إلى النار وقال رجل للحسن هل يحسد المؤمن قال ما أنساك بني يعقوب نعم ولكن غمه في صدرك فإنه لا يضرك ما لم تعد به يدا ولا لسانا وقال ابو الدرداء ما أكثر عبد ذكر الموت إلا قل فرحه وقل حسده و قال معاوية كل الناس أقدر على رضاه إلا حاسد نعمة فإنه لا يرضيه إلا زوالها ولذلك قيل .
كل العداوات قد ترجى إماتتها ... إلا عداوة من عاداك من حسد وقال بعض الحكماء الحسد جرح لا يبرأ وحسب الحسود ما يلقي وقال أعرابي ما رأيت ظالما أشبه بمظلوم من حاسد إنه يرى النعمة عليك نقمة عليه وقال الحسن يا ابن آدم لم تحسد أخاك فإن كان الذي أعطاه لكرامته عليه فلم تحسد من أكرمه الله وإن كان غير ذلك فلم تحسد من مصيره إلى النار وقال بعضهم الحاسد لا ينال من المجالس إلا مذمه وذلا ولا ينال من الملائكة إلا لعنة وبغضا ولا ينال من الخلق إلا جزعا وغما ولا ينال عند النزع إلا شدة وهولا ولا ينال عند الموقف إلا فضيحة ونكالا .
بيان حقيقة الحسد وحكمه وأقسامه ومراتبه .
اعلم أنه لا حسد إلا على نعمة فإذا أنعم الله على أخيك بنعمة فلك فيها حالتان .
إحداهما أن تكره تلك النعمة وتحب زوالها وهذه الحالة تسمى حسدا فالحسد حده كراهة النعمة وحب زوالها عن المنعم عليه .
الحالة الثانية أن لا تحب زوالها ولا تكره وجودها ودوامها ولكن تشتهي لنفسك مثلها .
وهذه تسمى غبطة وقد تختص باسم المنافسة وقد تسمى المنافسة حسدا والحسد منافسة ويوضع أحد اللفظين موضع الآخر ولا حجر في الأسامي بعد فهم المعاني .
وقد قال A إن المؤمن يغبط والمنافق يحسد // حديث المؤمن يغبط والمنافق يحسد لم أجد له أصلا مرفوعا وإنما هو من قول الفضيل بن عياض كذلك رواه ابن أبي الدنيا في ذم الحسد // .
فأما الأول فهو حرام بكل حال إلا نعمة أصابها فاجر أو كافر وهو يستعين بها على تهييج الفتنة وإفساد ذات البين وإيذاء الخلق فلا يضرك كراهتك لها ومحبتك لزوالها فإنك لا تحب زوالها من حيث هي نعمة بل من حيث هي آلة الفساد ولو أمنت فساده لم يغمك بنعمته ويدل على تحريم الحسد الأخبار التي نقلناها وأن هذه الكراهة تسخط لقضاء الله في تفضيل بعض عباده على بعض وذلك لا عذر فيه ولا رخصة وأي معصية تزيد على كراهتك