بالله من شرك فقالت إن سرك أن يعيذك الله مني فأبغض الدرهم والدينار وذلك لأن الدرهم والدينار هما الدنيا كلها إذ يتوصل بهما إلى جميع أصنافها فمن صبر عنهما صبر عن الدنيا وفي ذلك قيل .
إني وجدت فلا تظنوا غيره ... أن التورع عند هذا الدرهم .
فإذا قدرت عليه ثم تركته ... فاعلم بأن تقاك تقوى المسلم .
وفي ذلك قيل أيضا .
لا يغرنك من المر قميص رقعه ... أو إزار فوق عظم الساق منه رفعه .
أو جبين لاح فيه أثر قد خلعه ... أره الدرهم تعرف حبه أو ورعه .
ويروي عن مسلمة بن عبد الملك أنه دخل على عمر بن عبد العزيز C عند موته فقال يا أمير المؤمنين صنعت صنيعا لم يصنعه أحد قبلك تركت ولدك ليس لهم درهم ولا دينار وكان له ثلاثة عشر من الولد فقال عمر أقعدوني فأقعدوه فقال أما قولك لم أدع لهم دينار ولا درهما فإني لم أمنعهم حقا لهم ولم أعطهم حقا لغيرهم وإنما ولدي أحد رجلين إما مطيع لله فالله كافيه والله يتولى الصالحين وإما عاص لله فلا أبالي على ما وقع وروي أن محمد بن كعب القرظي أصاب مالا كثيرا فقيل له لو ادخرته لولدك من بعدك قال لا ولكني ادخره لنفسي عند ربي وأدخر ربي لولدي ويروى أن رجلا قال لأبي عبد ربه يا أخي لا تذهب بشر وتترك أولادك بخير فأخرج أبو عبد ربه من ماله مائة ألف درهم .
وقال يحيى بن معاذ مصيبتان لم يسمع الأولون والآخرون بمثلهما للعبد في ماله عند موته قبل وما هما قال يؤخذ منه كله ويسئل عنه كله .
بيان مدح المال والجمع بينه وبين الذم .
اعلم أن الله تعالى قد سمى المال خيرا في مواضع من كتابه العزيز فقال جل وعز إن ترك خيرا الآية وقال رسول الله A نعم المال الصالح للرجل الصالح // حديث نعم المال الصالح للرجل الصالح أخرجه أحمد والطبراني في الكبير والأوسط من حديث عمرو بن العاص بسند صحيح بلفظ نعما وقالا للمرء // .
وكل ما جاء في ثواب الصدقة والحج فهو ثناء على المال إذ لا يمكن الوصول إليهما إلا به وقال تعالى ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك وقال تعالى ممتنا على عباده ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا وقال A كاد الفقر أن يكون كفرا // حديث كاد الفقر أن يكون كفرا أخرجه أبو مسلم الليثي في سننه والبيهقي في شعب الإيمان من حديث أنس وتقدم في كتاب ذم الغضب .
وهو ثناء على المال .
ولا تقف على وجه الجمع بعد الذم والمدح إلا بأن تعرف حكمة المال ومقصوده وآفاته وغوائله حتى ينكشف لك أنه خير من وجه وشر من وجه وأنه محمود من حيث هو خير ومذموم من حيث هو شر فإنه ليس بخير محض ولا شر محض بل هو سبب لأمرين جميعا وما هذا وصفه فيمدح لا محالة تارة ويذم أخرى ولكن البصير المميز يدرك أن المحمود منه غير المذموم وبيانه بالاستمداد مما ذكرناه في كتاب الشكر من بيان الخيرات وتفصيل درجات النعم والقدر المقنع فيه هو أن مقصد الأكياس وأرباب البصائر سعادة الآخرة التي هي النعيم الدائم والملك المقيم .
والقصد إلى هذا دأب الكرام والأكياس إذ قيل لرسول الله A من أكرم الناس وأكيسهم فقال أكثرهم للموت ذكرا وأشدهم له استعدادا // حديث من أكرم الناس وأكيسهم قال أكثرهم للموت ذكرا الحديث أخرجه ابن ماجه من حديث ابن عمر بلفظ أي المؤمنين أكيس ورواه ابن أبي الدنيا في الموت بلفظ المصنف وإسناده جيد //