الفصل الثاني : في فضل قيام الليل .
و قد دل حديث أبي هريرة Bه هذا على أنه أفضل الصلاة بعد المكتوبة وهل هو أفضل من السنن الراتبة فيه خلاف سبق ذكره و قال ابن مسعود Bه : فضل صلاة الليل على صلاة النهار كفضل صدقة السر على صدقة العلانية و خرجه الطبراني عنه مرفوعا و المحفوظ وقفه و قال عمرو بن العاص : ركعة بالليل خير من عشر بالنهار خرجه ابن أبي الدنيا و إنما فضلت صلاة الليل على صلاة النهار لأنها أبلغ في الإسرار و أقرب إلى الإخلاص كان السلف يجتهدون على إخفاء تهجدهم قال الحسن : كان الرجل يكون عنده زواره فيقوم من الليل يصلي لا يعلم به زواره و كانوا يجتهدون في الدعاء و لا يسمع لهم صوت و كان الرجل ينام مع امرأته على وسادة فيبكي طول ليلته و هي لا تشعر و كان محمد بن واسع يصلي في طريق الحج طول ليله و يأمر حاديه أن يرفع صوته ليشغل الناس عنه و كان بعضهم يقوم من وسط الليل و لا يدري به فإذا كان قرب طلوع الفجر رفع صوته بالقرآن يوهم أنه قام تلك الساعة و لأن صلاة الليل أشق على النفوس فإن الليل محل النوم و الراحة من التعب بالنهار فترك النوم مع ميل النفس إليه مجاهدة عظيمة قال بعضهم : أفضل الأعمال ما أكرهت عليه النفوس و لأن القراءة في صلاة الليل أقرب إلى التدبر فإنه تنقطع الشواغل بالليل و يحضر القلب و يتواطأ هو و اللسان على الفهم كما قال تعالى : { إن ناشئة الليل هي أشد وطئا و أقوم قيلا } و لهذا المعنى أمر بترتيل القرآن في قيام الليل ترتيلا و لهذا كانت صلاة الليل تنهاه عن الإثم كما يأتي في حديث خرجه الترمذي و في المسند [ عن أبي هريرة Bه أن النبي صلى الله عليه و سلم قيل له : إن فلانا يصلين الليل فإذا أصبح سرق ؟ فقال : سينهاه ما تقول ] و لأن وقت التهجد من الليل أفضل أوقات التطول بالصلاة و أقرب ما يكون العبد من ربه و هو وقت فتح أبواب السماء و استجابة الدعاء و استعراض حوائج السائلين .
و قد مدح الله تعالى المستيقظين بالليل لذكره و دعائه و استغفاره و مناجاته فقال الله تعالى : { تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا و طمعا و مما رزقناهم ينفقون * فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون } و قال الله تعالى : { و المستغفرين بالأسحار } و قال الله تعالى : { كانوا قليلا من الليل ما يهجعون * و بالأسحار هم يستغفرون } و قال الله تعالى : { و الذين يبيتون لربهم سجدا و قياما } و قال الله تعالى : { أمن هو قانت آناء الليل ساجدا و قائما يحذر الآخرة و يرجو رحمة ربه قل هل يستوي الذين يعلمون و الذين لا يعلمون } و قال تعالى : { من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل و هم يسجدون } و قال لنبيه صلى الله عليه و سلم : { و من الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا } و قال تعالى : { و من الليل فاسجد له و سبحه ليلا طويلا } و قال تعالى : { يا أيها المزمل * قم الليل إلا قليلا * نصفه أو انقص منه قليلا * أو زد عليه } قالت عائشة Bها لرجل : [ لا تدع قيام الليل فإن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان لا يدعه و كان إذا مرض أو قالت : كسل صلى قاعدا ] و في رواية أخرى عنها قالت : بلغني عن قوم يقولون : إن أدينا الفرائض لم نبال أن لا نزداد و لعمري لا يسألهم الله إلا عما افترض عليهم و لكنهم قوم يخطئون بالليل و النهار و ما أنتم إلا من نبيكم و ما نبيكم إلا منكم و الله ما ترك رسول الله صلى الله عليه و سلم قيام الليل و نزعت كل آية فيها قيام الليل فأشارت عائشة Bها إلى قيام الليل فيه فائدتان عظيمتان : الإقتداء بسنة رسول الله صلى الله عليه و سلم و التأسي به و قد قال الله عز و جل : { لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة } و تكفير الذنوب و الخطايا فإن بني آدم يخطئون بالليل و النهار فيحتاجون إلى الإستكثار من مكفرات الخطايا و قيام الليل من أعظم المكفرات كما قال النبي صلى الله عليه و سلم لمعاذ بن جبل : [ قيام العبد في جوف الليل يكفر الخطيئة ثم تلا : { تتجافى جنوبهم عن المضاجع } الآية ] خرجه الإمام أحمد و غيره و قد روي أن المتهجدين يدخلون الجنة بغير حساب و روي [ عن شهر بن حوشب عن أسماء بنت يزيد عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : إذا جمع الله الأولين و الآخرين يوم القيامة جاء مناد ينادي بصوت يسمع الخلائق سيعلم الخلائق اليوم من أولى بالكرم ثم يرجع فينادي : أين الذين كانوا لا تلهيهم تجارة و لا بيع عن ذكر الله فيقومون و هم قليل ثم يرجع فينادي : ليقم الذين كانوا يحمدون الله في السراء و الضراء فيقومون و هم قليل ثم يحاسب سائر الناس ] خرجه ابن أبي الدنيا و غيره و يروى عن شهر بن حوشب عن ابن عباس Bهما من قوله و يروى أيضا من حديث أبي اسحاق عن عبد الله بن عطاء عن قبة بن عامر مرفوعا و موقوفا و يروى نحوه أيضا عن عبادة بن الصامت و ربيعة الجرشي و الحسن و كعب من قولهم قال بعض السلف : قيام الليل يهون طول القيام يوم القيامة و إذا كان أهله يسبقون إلى الجنة بغير حساب فقد استراح أهله من طول الموقف للحساب .
و في حديث [ أبي أمامة و بلال المرفوع : عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم و إن قيام الليل قربة إلى الله تعالى و تكفير للسيئات و منهاة عن الإثم و مطردة للداء عن الجسد ] خرجه الترمذي ففي هذا الحديث أن قيام الليل يوجب صحة الجسد و يطرد عنه الداء و كذلك صيام النهار ففي الطبراني [ من حديث أبي هريرة مرفوعا : صوموا تصحوا ] و كما أن قيام الليل يكفر السيئات فهو يرفع الدرجات و قد ذكرنا أن أهله من السابقين إلى الجنة بغير حساب و في حديث المنام المشهور الذي خرجه الإمام أحمد و الترمذي : [ إن الملأ الأعلى يختصمون في الدرجات و الكفارات ] و فيه [ إن الدرجات إطعام الطعام و إفشاء السلام و الصلاة بالليل و الناس نيام ] و في المسند و الترمذي و غيرهما عن النبي صلى الله عليه و سلم من وجوه : [ إن في الجنة غرفا يرى ظاهرها من باطنها من ظاهرها و إنها لأهل هذه الخصال الثلاثة ] و في [ حديث عبد الله بن سلام المشهور المخرج في السنن : أنه أول ما سمع النبي صلى الله عليه و سلم يقول عند قدومه المدينة : يا أيها الناس اطعموا الطعام و افشوا السلام و صلوا الأرحام و صلوا بالليل و الناس نيام تدخلوا الجنة بسلام ] و من فضائل التهجد : أن الله تعالى يحب أهله و يباهي بهم الملائكة و يستجيب دعائهم روى الطبراني و غيره [ من حديث أبي الدرداء Bه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ثلاثة يحبهم الله و يضحك إليهم و يستبشر بهم ـ فذكر منهم الذي له له امرأة حسناء و فراش حسن فيقوم من الليل فيقول الله تعالى : يذر شهوته فيذكرني و لو شاء رقد و الذي إذا كان في سفر و كان معه ركب فسهروا ثم هجعوا قام من السحر في سراء و ضراء ] و خرج الإمام أحمد و الترمذي و النسائي [ من حديث أبي ذر Bه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ثلاثة يحبهم الله ـ فذكر منهم ـ و قوم ساروا ليلهم حتى إذا كان النوم أحب إليهم مما يعدل به فوضعوا رؤوسهم فقام يتملقني و يتلو آياتي ] و صححه الترمذي و في المسند [ عن ابن مسعود Bه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : عجب ربنا من رجلين : رجل ثار عن وطائه و لحافه من بين أهله و حبه إلى صلاته فيقول ربنا تبارك و تعالى : يا ملائكتي انظروا إلى عبدي ثار من فراشه و وطائه من بين حبه و أهله إلى صلاته رغبة فيما عندي و شفقة مما عندي و رجل غزا في سبيل الله عز و جل و انهزم أصحابه و علم ما عليه في الانهزام و ماله في الرجوع فرجع حتى إهريق دمه فيقول الله عز و جل لملائكته : انظروا إلى عبدي رجع رجاء فيما عندي و شفقة مما عندي حتى إهريق دمه ] رواه أحمد و ذكر بقية الحديث و قوله ثار فيه إشارة إلى قيامه بنشاط و عزم و يروى من حديث عطية [ عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : إن الله يضحك إلى ثلاثة نفر رجل قام من جوف الليل فأحسن الطهور فصلى و رجل نام و هو ساجد و رجل في كتيبة منهزمة فهو على فرس جواد لو شاء أن يذهب لذهب ] و خرجه ابن ماجة من رواية مجالد [ عن أبي الوداك عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : إن الله ليضحك إلى ثلاثة : الصف في الصلاة و الرجل يصلي في جوف الليل و الرجل يقاتل أراه قال : خلف الكتيبة ] و روينا من حديث أبان [ عن أنس عن ربيعة بن وقاص عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ثلاث مواطن لا ترد فيها دعوة رجل يكون في برية حيث لا يراه أحد فيقوم فيصلي فيقول الله لملائكته : أرى عبدي هذا يعلم أن له ربا يغفر الذنب فانظروا ما يطلب ؟ فتقول الملائكة : إي رب رضاك و مغفرتك فيقول : اشهدوا أني قد غفرت له و رجل يقوم من الليل فيقول الله عز و جل : أليس قد جعلت الليل سكنا و النوم سباتا فقام عبدي هذا يصلي و يعلم أن له ربا فيقول الله لملائكته : انظروا ما يطلب عبدي هذا ؟ فتقول الملائكة : يا رب رضاك و مغفرتك فيقول : اشهدوا أني قد غفرت له و ذكر الثالث : الذي يكون في فئة فيفر أصحابه و يثبت هو ] و هو مذكور أيضا في كل الأحاديث المتقدمة و في المسند و صحيح ابن حبان [ عن عقبة عن عامر عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : رجلان من أمتي يقوم أحدهما من الليل يعالج نفسه إلى الطهور و عليه عقد فيتوضأ فإذا وضأ يديه انحلت عقدة و إذا وضأ وجهه انحلت عقدة و إذا مسح رأسه انحلت عقدة و إذا وضأ رجليه انحلت عقدة فيقول الرب عز و جل للذين وراء الحجاب : انظروا إلى عبدي هذا يعالج نفسه ما سألني عبدي هذا فهو له ] و في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ نعم الرجل عبد الله ـ يعني ابن عمر ـ لو كان يصلي من الليل ] فكان عبد الله لا ينام بعد ذلك من الليل إلا قليلا .
كان أبو ذر Bه يقول للناس : أرأيتم لو أن أحدكم أراد سفرا أليس يتخذ من الزاد ما يصلحه و يبلغه ؟ قالوا : بلى قال : فسفر طريق القيامة أبعد فخذوا له ما يصلحكم حجوا حجة لعظائم الأمور صوموا يوما شديدا حره لحر يوم النشور صلوا ركعتين في ظلمة الليل لظلمة القبور تصدقوا بصدقة لشر يوم عسير أين رجال الليل أين الحسن و سفيان قال : .
( يترجل الليل جدوا ... رب داع لا يرد ) .
( ما يقوم الليل إلا ... من له عزم و جد ) .
( ليس شيء كصلاة ... الليل للقبر يعد ) .
صلى كثير من السلف صلاة الصبح بوضوء العشاء عشرين سنة و منهم من صلى كذلك أربعين سنة قال بعضهم : منذ أربعين سنة ما أحزنني إلا طلوع الفجر قال ثابت : كابدت قيام الليل عشرين سنة و تنعمت به عشرين سنة أخرى .
أفضل قيام الليل وسطه قال النبي صلى الله عليه و سلم : [ أفضل القيام قيام داود كان ينام نصف الليل و يقوم ثلثه و ينام سدسه ] و كان رسول الله صلى الله عليه و سلم [ إذا سمع الصارخ يقوم للصلاة ] و الصارخ : الديك و هو يصيح وسط الليل و خرج النسائي [ عن أبي ذر قال : سألت النبي صلى الله عليه و سلم : أي الليل خير ؟ قال : جوفه ] و خرج الإمام أحمد [ عن أبي ذر قال : سألت النبي صلى الله عليه و سلم : أي قيام الليل أفضل ؟ قال : جوف الليل الغابر أو نصف الليل و قليل فاعله ] و خرج ابن أبي الدنيا [ من حديث أبي أمامة أن رجلا قال : يا رسول الله أي الصلاة أفضل ؟ قال : جوف الليل الأوسط قال : أي الدعاء أسمع ؟ قال : دبر المكتوبات ] و خرجه الترمذي و النسائي و لفظهما : [ أنه سأله أي الدعاء أسمع ؟ قال : جوف الليل الأخير و دبر الصلوات المكتوبات ] و خرج الترمذي [ من حديث عمرو بن عنبسة سمع النبي صلى الله عليه و سلم يقول : أقرب ما يكون الرب من العبد في جوف الليل فإن استطعت أن تكون ممن يذكر الله في تلك الساعة فكن ] و يروى أن داود عليه السلام قال : يا رب أي وقت أقوم لك ؟ قال : لا تقم أول الليل و لا آخره و لكن قم وسط الليل حتى تخلوا بي و أخلو بك و ارفع إلي حوائجك و في الأثر المشهور : كذب من ادعى محبتي فإذا جنه الليل نام عني أليس كل محب يحب خلوة حبيبه فها أنا ذا مطلع على أحبابي إذا جنهم الليل جعلت أبصارهم في قلوبهم فخاطبوني على المشاهدة و كلموني على حضوري غدا أقر أعين أحبابي في جناني .
( الليل لي ولأحبابي أحادثهم ... قد اصطفيتهم كي يسمعوا و يعوا ) .
( لهم قلوب بأسراري بها ملئت ... على ودادي و إرشادي لهم طبعوا ) .
( سروا فما وهنوا عجزا و لا ضعفوا ... و واصلوا حبل تقريبي فما انقطعوا ) .
ما عند المحبين ألذ من أوقات الخلوة بمناجاة محبوبهم هو شفاء قلوبهم و نهاية مطلوبهم .
( كتمت اسم الحبيب من العباد ... و رددت الصبابة في فؤادي ) .
( فيا شوقا إلى بلد خلي ... لعلى اسم من أهوى أنادي ) .
كان داود الطائي يقول في الليل : همك عطل علي الهموم و حالف بيني و بين السهاد و شوقي إلى النظر إليك أوثق مني اللذات و حال بيني و بين الشهوات و كان عتبة الغلام يقول في مناجاته بالليل : إن تعذبني فإني لك محب و إن ترحمني فإني لك محب .
( لو أنك أبصرت أهل الهوى ... إذا غارت الأنجم الطلع ) .
( فهذا ينوح على ذنبه ... و هذا يصلي و ذا يركع ) .
من لم يشاركهم في هواهم و يذوق حلاوة نجواهم لم يدر ما الذي أبكاهم من لم يشاهد جمال يوسف لم يدر ما الذي آلم قلب يعقوب .
( من لم يبت و الحب حشو فؤاده ... لم يدر كيف تفتت الأكباد ) .
كان أبو سليمان يقول : أهل الليل في ليلهم ألذ من أهل اللهو في لهوهم و لولا الليل ما أحببت البقاء في الدنيا وسط الليل للمحبين للخلوة بمناجاة حبيبهم و السحر للمذنبين للإستغفار من ذنوبهم فوسط الليل خاص لخلوة الخواص و السحر عام لرفع قصص الجميع و بروز التواقيع لأهلها بقضاء الحوائج فمن عجز عن مسابقة المحبين في ميدان مضمارهم فلا يعجز عن مشاركة المذنبين في استغفارهم و اعتذارهم صحائف التائبين خدودهم و مدادهم دموعهم قال بعضهم : إذا بكى الخائفون فقد كاتبوا الله بدموعهم رسائل الأسحار تحمل و لا يدري بها الفلك و أجوبتها ترد إلى الأسرار و لا يعلم بها الملك .
( صحائفنا إشارتنا ... و أكثر رسلنا الحرق ) .
( لأن الكتب قد تقرأ ... بغير الدمع لا تثق ) .
لا تزال القصص تستعرض و يوقع بقضاء حوائج أهلها إلى أن يطلع الفجر ينزل الله كل ليلة إلى السماء الدنيا فيقول : هل من تائب فأتوب عليه هل من مستغفر فأغفر له هل من داع فأجيب دعوته إلى أن ينفجر الفجر فلذلك كانوا يفضلون صلاة آخر الليل على أوله .
( نحن الذين إذا أتانا سائل ... نوليه إحسانا و حسن تكرم ) .
( و نقول في الأسحار هل من تائب ... مستغفر لينال خير المغنم ) .
الغنيمة تقسم على كل من حضر الوقعة فيعطي منها الرجالة و الأجراء و الغلمان مع الأمراء و الأبطال و الشجعان و الفرسان فما يطلع فجر الأجر إلا و قد حاز القوم الغنيمة و فازوا بالفخر و حمدوا عند الصباح السرى و ما عند أهل الغفلة و النوم خبر مما جرى كان بعض الصالحين يقوم الليل فإذا كان السحر نادى بأعلى صوته يا أيها الركب المعرسون أكل هذا الليل ترقدون ألا تقومون فترحلون فإذا سمع الناس صوته و ثبوا من فرشهم فيسمع من هنا باك و من هنا داع و من هنا نال و من هنا متوضىء فإذا طلع الفجر نادى بأعلى صوته عند الصباح يحمد القوم السرى .
( يا نفس قومي فقد نام الورى ... إن تصنعي الخير فذو العرش يرى ) .
( و أنت يا عين دعي عنك الكرى ... عند الصباح يحمد القوم السرى ) .
يا قوام الليل اشفعوا في النوام يا أحياء القلوب ترحموا على الأموات قيل لابن مسعود Bه : ما نستطيع قيام الليل ؟ قال : أقعدتكم ذنوبكم و قيل للحسن : قد أعجزنا قيام الليل ؟ قال : قيدتكم خطاياكم و قال الفضيل بن عياض : إذا لم تقدر على قيام الليل و صيام النهار فاعلم أنك محروم كبلتك خطيئتك قال الحسن : إن العبد ليذنب الذنب فيحرم به قيام الليل قال بعض السلف : أذنبت ذنبا فحرمت به قيام الليل ستة أشهر ما يؤهل الملوك للخلوة بهم إلا من أخلص في ودهم و معاملتهم فأما من كان من أهل المخالفة فلا يؤهلونه في بعض الآثار : إن جبريل عليه السلام ينادي كل ليلة أقم فلانا و أنم فلانا قام بعض الصالحين في ليلة باردة و عليه ثياب رثة فضربه البرد فبكى فهتف به هاتف أقمناك و أنمناهم ثم تبكي علينا .
( يا حسنهم و الليل قد جنهم ... و نورهم يفوق نور الأنجم ) .
( ترنموا بالذكر في ليلهم ... فعيشهم قد طاب في الترنم ) .
( قلوبهم للذكر قد تفرغت ... دموعهم كلؤلؤ منظم ) .
( أسحارهم بهم لهم قد أشرقت ... و خلع الغفران خير القسم ) .
الليل منهل يرده أهل الإرادة كلهم و يختلفون فيما يردون و يريدون قد علم كل أناس مشربهم فالمحب يتنعم بمناجاة محبوبه و الخائف يتضرع لطلب العفو و يبكي على ذنوبه و الراجي يلح في سؤال مطلوبه و الغافل المسكين أحسن الله عزاءه في حرمانه و فوات نصيبه قال النبي صلى الله عليه و سلم لعبد الله بن عمرو Bهما : [ لا تكن مثل فلان كان يقوم الليل فترك قيام الليل ] مرضت رابعة مرة فصارت تصلي وردها بالنهار فعوفيت و قد ألفت ذلك و انقطع عنها قيام الليل فرأت ذات ليلة في نومها كأنها أدخلت إلى روضة خضراء عظيمة و فتح لها فيها باب دار فسطع منها نور حتى كاد يخطف بصرها فخرج منها وصفاء كأن وجوههم اللؤلؤ بأيديهم مجامر فقالت لهم امرأة كانت مع رابعة : أين تريدون ؟ قالوا : نريد فلانا قتل شهيدا في البحر فنجمره فقالت لهم : أفلا تجمرون هذه المرأة ـ تعني رابعة ـ فنظروا إليها و قالوا : قد كان لها حظ في ذلك فتركته فالتفتت تلك المرأة إلى رابعة و أنشدت : .
( صلاتك نور و العباد رقود ... و نومك ضد للصلاة عنيد ) .
كان بعض العلماء يقوم السحر فنام عن ذلك ليالي فرأى في منامه رجلين وقفا عليه و قال أحدهما للآخر : هذا كان من المستغفرين بالأسحار فترك ذلك يا من كان له قلب فانقلب يا من كان له وقت مع الله فذهب قيام السحر يستوجبن لك صيام النهار يسائل عنك الوصال تعاتبك على الجهر .
( تغيرتمو عنا بصحبة غيرنا ... و أظهرتم الهجران ما هكذا كنا ) .
( و أقسمتمو أن لا تحولوا عن الهوى ... فحلتم عن العهد القديم و ما حلنا ) .
( ليالي كنا نستقي من وصالكم ... و قلبي إلى تلك الليالي قد حنا ) .
قيل للنبي صلى الله عليه و سلم : إن فلانا نام حتى أصبح ؟ فقال : [ بال الشيطان في أذنه ] .
كان سري يقول : رأيت الفوائد ترد في ظلمة الليل ماذا فات من فاته خير الليل لقد حصل أهل الغفلة و النوم على الحرمان و الويل كان بعض السلف يقوم الليل فنام ليلة فأتاه آت في منامه فقال له : قم فصل ثم قال له : أما علمت أن مفاتح الجنة مع أصحاب الليل هم خزانها هم خزانها و كان آخر يقوم الليل فنام ليلة فأتاه آت في منامه فقال : ما لك قصرت في الخطبة أما علمت أن المتهجد إذا قام إلى تهجده قالت الملائكة : قام الخاطب إلى خطبته و رأى بعضهم حوراء في نومه فقال لها : زوجيني نفسك قالت : اخطبني إلى ربي و أمهرني قال : ما مهرك ؟ قالت : طول التهجد نام ليلة أبو سليمان فأيقظته حوراء و قالت : يا أبا سليمان تنام و أنا أربي لك في الخدور من خمسمائة عام و اشترى بعضهم من الله تعالى حوراء بصداق ثلاثين ختمة فنام ليلة قبل أن يكمل الثلاثين فرآها في منامه تقول له : .
( أتخطب مثلي و عني تنام ... و نوم المحبين عني حرام ) .
( لأنا خلقنا لكل امرىء ... كثير الصلاة براه الصيام ) .
كان النبي صلى الله عليه و سلم يطرق باب فاطمة و علي و يقول : [ ألا تصليان ] و في الحديث : [ إذا استيقظ الرجل و أيقظ أهله فصليا ركعتين كتبا من الذاكرين الله كثيرا و الذاكرات ] .
كانت امرأة حبيب توقظه بالليل و تقول ذهب الليل و بين أيدينا طريق بعيد و زادنا قليل و قوافل الصالحين قد سارت قدامنا و نحن قد بقينا .
( يا راقد الليل كم ترقد ... قم يا حبيبي قد دنا الموعد ) .
( و خذ من الليل و أوقاته ... وردا إذا ما هجع الرقد ) .
( من نام حتى ينقضي ليله ... لم يبلغ المنزل أو يجهد ) .
( قل لأولي الألباب أهل التقى ... قنطرة العرض لكم موعد )