الباب الرابع عشر : في ظهور معجزه صلى الله تعالى عليه و سلم من الشجر و الجماد .
و لئن كانت المعارف من الجمادات أبعد و الكلام منها أغرب فليس بسمتبعد و لا مستغرب أن يحدث الله تعالى فيها من الآيات الخارجة عن العادة ما يحج الله تعالى به من استبصر و يمد به من استنصر .
الرسول ينادي الشجرة فتقبل نحوه : .
و من آياته صلى الله تعالى عليه و سلم : [ ما حكاه أهل النقل عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه : أنه خطب على الناس خطبته المعروفة بالناصعة فقال فيها : الحمد لله الذي هو العالم بمضمرات القلوب و محجوبات الغيوب أيها الناس اتقوا الله و لا تكونوا لنعمه عليكم أضدادا و لا لفضله عندكم حسادا و لا تطيعوا أساس الفسوق و أحلاس العقوق فإن الله تعالى مختبر عباده المستكبرين في أنفسهم بأوليائه المستضعفين في أعينهم ألا ترون أنه اختبر الأولين من لدن آدم إلى الآخرين من هذا العالم بأنواع الشدائد و تعبدهم بألوان المجاهد ليجعل ذلك أبوابا فتحا إلى فضله و أسبابا ذللا لعفوه فاحذروا ما نزل بالأمم قبلكم من المثلات بسوء الأفعال و ذميم الأعمال أن تكونوا أمثالهم فلقد كانوا على أحوال مضطربة و أيد مختلفة و جماعة متفرقة في بلاء أزل و أطباق جهل من بنات موؤودة و أصنام معبودة و أرحام مقطوعة و غارات مشنونة فانظروا إلى موقع نعم الله عليهم حين بعث إليهم رسولا كيف نشرت النعمة عليهم جناح كرامتها و أسالت لهم جداول نعيمها فهم حكام على العالمين و ملوك في أطراف الأرضين يملكون الأمور على من كان يملكها عليهم و يمضون الأحكام على من كان يمضيها فيهم .
و لقد كنت مع رسول الله صلى الله تعالى عليه و سلم و قد أتاه الملأ من قريش فقالوا : يا محمد إنك قد ادعيت عظيما لم يدعه آباؤك و لا أحد من أهل بيتك و نحن نسألك أمرا إن أجبتنا إليه و أريتناه علمنا أنك نبي و رسول و إن لم تفعل علمنا أنك ساحر كذاب قال لهم : و ما تسألون قالوا : تدعو لنا هذه الشجرة حتى تنقلع بعروقها و تقف بين يديك .
فقال صلى الله تعالى عليه و سلم : إن الله على كل شيء قدير فإن فعل الله ذلك لكم أتؤمنون و تشهدون بالحق ؟ قالوا : نعم قال فإني سأريكم ما تطلبون و إني لأعلم أنكم لا تفيئون إلى خير و أن منكم من يطرح في القليب و من يحزب الأحزاب ثم قال : يا أيتها الشجرة إن كنت تؤمنين بالله و اليوم الآخر و تعلمين أني رسول الله فانقلعي : بعروقك حتى تقفي بين يدي بإذن الله تعالى .
قال علي Bه : فو الذي بعثه بالحق لانقلعت بعروقها و جاءت و لها دوي شديد و قصف كقصيف أجنحة الطير حتى وقفت بين يدي رسول الله صلى الله تعالى عليه و سلم مرفوفة و ألقت بعضها الأعلى عليه و ببعض أغصانها على منكبي و كنت عن يمينه .
فلما نظر القوم إلى ذلك قالوا علوا و استكبارا فمرها فليأتك نصفها فأمر بذلك فأقبل نصفها كأعجب إقبال و أشده دويا فكادت تلتف برسول الله صلى الله تعالى عليه و سلم .
فقالوا : كفرا و عتوا .
فمر هذا النصف فليرجع إلى نصفه كما كان فأمره فرجع فقلت : أنا لا إله إلا الله فأنا أول مؤمن بك يا رسول الله و أول من أقر بأن الشجرة فعلت ما فعلت بأمر الله تعالى تصديقا لنبوتك و إجلالا لكلمتك .
فقال القوم كلهم : بل ساحر كذاب عجيب السحر خفيف فيه و هل يصدقك في أمرك هذا إلا مثل هذا يعنونني و هذا حكاه خطيبا على الأشهاد و قل أن يخلو جمع مثله ممن يعرف حق ذلك من باطله فكانوا بالموافقة مجمعين على صحته و لولاه لظهر الرد و إن ندر و هذا من أبلغ آية و أظهر إعجاز له ] .
أعرابي يطلب من النبي صلى الله عليه و سلم أن يدعو الشجرة فيفعل : .
و من آياته صلى الله تعالى عليه و سلم : [ ما رواه عبد الله بن بريدة عن أبيه قال جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه و سلم : فقال يا محمد هل من آية فيما تدعو إليه ؟ .
قال : نعم ائت تلك الشجرة فقل لها رسول الله صلى الله تعالى عليه و سلم يدعوك فمالت عن يمينها و يسارها و بين يديها فتقطعت عروقها ثم جاءت تخد الأرض حتى وقفت بين يديه .
فقال الأعرابي : مرها لترجع إلى منتبها فأمرها فرجعت إلى منبتها فقال الأعرابي : ائذن لي أسجد لك .
فقال : لو أمرت أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها قال : فائذن لي أن أقبل يديك و رجليك فأذن له ] .
النبي صلى الله عليه و سلم يطلب من وديتين أن تنضما فتفعلا : .
من آياته صلى الله عليه و سلم : [ ما رواه يعلى بن شبابة قال : كنت مع رسول الله صلى الله تعالى عليه و سلم في مسير فأراد أن يقضي حاجته فأمر وديتين فانضمت إحداهما إلى الأخرى ثم أمرهما بعد قضاء حاجته أن يرجعا إلى منبتها فرجعتا ] .
الشجر يسلم على النبي صلى الله عليه و سلم : .
و من آياته صلى الله تعالى عليه و سلم : [ ما رواه علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه قال : كنا مع رسول الله صلى الله تعالى عليه و سلم في مكة فخرج في بعض نواحيها فما استقبله شجر و لا جبل إلا قال : السلام عليك يا رسول الله ] .
سدرة تنقسم ليمر النبي عليه السلام : .
و من آياته صلى الله تعالى عليه و سلم : [ أنه مر في غزوة الطائف في كثيف من طلح فمشى و هو وسن من النوم فاعترضته سدرة فانفرجت السدرة له بنصفين فمر بين نصفيها و بقيت السدرة منفرجة على ساقين إلى قريب من أعصارنا هذه و كانت معروفة بذلك في مكانها يتبرك بها كل مار و يسمونها سدرة النبي صلى الله تعالى عليه و سلم ] .
تحرك الجبل لصعود النبي عليه : .
و من آياته صلى الله تعالى عليه و سلم : [ ما رواه سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال صعد النبي صلى الله تعالى عليه و سلم حراء و معه أبو بكر و عمر و عثمان و علي و عبد الرحمن و الزبير و طلحة و سعيد فتحرك الجبل فقال النبي صلى الله تعالى عليه و سلم اسكن حراء فليس عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد فسكن الجبل ] .
الحجر و الشجر يسلم على النبي : .
و من آياته صلى الله تعالى عليه و سلم : [ ما رواه جابر بن عبد الله قال : كان في رسول الله صلى الله تعالى عليه و سلم خصال لم يكن يمر في طريق فيبتعه أحد إلا عرف أنه قد سلكه من طيب عرفه و لم يكن يمر بحجر و لا شجر إلا سجد له ] .
تسبيح الحصى : .
و من آياته صلى الله تعالى عليه و سلم : [ ما رواه ثابت عن أنس قال : كنا عند رسول الله صلى الله تعالى عليه و سلم فأخذ كفا من حصى فسبحن في يده حتى سمعنا التسبيح ثم صبهن في يد أبي بكر فسبحن في يده حتى سمعنا التسبيح ثم صبهن في أيدينا فما سبحن في أيدينا ] .
تسليم الحجر على النبي : .
و من آياته صلى الله تعالى عليه و سلم : [ ما رواه جابر بن سمرة قال : قال رسول الله صلى الله تعالى عليه و سلم : إني لأعرف حجرا من مكة كان يسلم علي ] .
تحويل الخشبة إلى سيف : .
و من آياته صلى الله تعالى عليه و سلم : [ أن عكاشة بن محصن انقطع سيفه بيده يوم بدر فدفع إليه رسول الله صلى الله تعالى عليه و سلم قطعة من خشب و قال قاتل بها الكفار يا عكاشة فتحولت سيفا في يده فكان يقاتل به حتى قتله طليحة في الردة ] .
حنين الجذع : .
و من آياته صلى الله تعالى عليه و سلم : [ أنه كان يخطب إلى جذع يستند إليه فلما اتخذ منبرا تحول عن الجذع إليه فحن إليه الجذع حتى ضمه إليه فسكن ] .
تسبليح الحصيات : .
و من آياته صلى الله تعالى عليه و سلم : [ أن مكرزا العامري أتاه فقال : هل عندك من برهان نعرف به أنك رسول الله صلى الله تعالى عليه و سلم فدعا بتسع حصيات فسبحن في يده فسمع نغماتها من جمودتها و هذا أبلغ من إحياء عيسى للموتى ] .
كلام الطعام : .
و من آياته صلى الله تعالى عليه و سلم : [ أنه لما حاصر الطائف سموا له جذعة فكلمه منها الذراع : لا تأكلني فإني مسمومة و هذا نظير إحياء الموتى ] .
الحجر و المدر يسلم على النبي : .
و من آياته صلى الله تعالى عليه و سلم : [ أن أول ما أوحي إليه لم يمر بحجر و لا مدر إلا سلم عليه بالنبوة و هذا نظير قول الله تعالى لداود : { يا جبال أوبي معه والطير } ] .
إضاءة أصابع النبي ليلا : .
و من آياته صلى الله تعالى عليه و سلم : [ ما رواه حمزة بن عمرو الأسلمي قال : نفرنا مع رسول الله صلى الله تعالى عليه و سلم في ليلة ظلماء فأضاءت أصابعه ] .
تسبيح الطعام : .
و من آياته صلى الله تعالى عليه و سلم : [ ما رواه إبراهيم الله علقمة عن عبد الله بن مسعود قال : إنكم تعدون الآيات عذابا و إنا كنا نعدها على عهد رسول الله صلى الله تعالى عليه و سلم بركة لقد كنا نأكل مع رسول الله صلى الله تعالى عليه و سلم و نحن نسمع تسبيح الطعام ] .
رد على شبهات المغترضين على المعجزات : .
فإن قيل : فقد يجوز أن يتخيل ذلك للناظر كما يتخيل لراكب السفينة سير النخل و الشجر فعنه جوابان : .
أحدهما : أنه و إن تخيل ذلك لراكب السفينة فهو غير متخيل لغيره من قائم و قاعد و هذا متحقق عند كل مشاهد على اختلاف أحواله .
و الثاني : أن راكب السفينة يعلم أنه تخيل له غير معلوم و هذا معلوم غير متخيل .
و إن قيل : فقد يجوز أن يكون في خواص الجوهر ما يجذب النخل و الشجر كما في خاص حجر المغناطيس أن يجذب الحديد فعنه جوابان : .
أحدهما : أنه قد علم خاصية حجر المغناطيس و ظهر و لم يعلم ذلك في غيره فلم يوجد و لو كان ذلك موجودا لكان الملوك عليه أقدر و لكان مذخورا في خزائنهم كادخار كل مستغرب و مستظرف و لجاز ادعاء مثله في قلب الأعيان و إبطال الحقائق .
و الثاني : أنه لو كان ذلك لخاصة الجوهر جاذبا كان بظهوره جاذبا و بملاقاته للنخل و الشجر فاعلا ولا ينقل إليه عن غيره و عنه إلى غيره و كل هذا فيه معدوم و إن كان في حجر المغناطيس موجودا