الباب الخامس ـ في مدة العالم و عدة الرسل .
مدة الدنيا : .
مدة الدنيا من ابتداء خلق العالم إلى انقضائه و فنائه سبعة آلاف سنة على ما جاءت به التوراة المنزلة على موسى عليه السلام و ذكره أنبياء بني إسرائيل و قد وافق عليه من قال بتييسر الكواكب و إنها مسير الكواكب السبعة فسير كل كوكب منها ألف سنة .
و قد روي [ عن رسول الله صلى الله تعالى عليه و سلم أنه قال : الدنيا سبعة آلاف سنة أنا في آخرها ألفا ] .
[ و قال صلى الله تعالى عليه و سلم : بعثت و الساعة كهاتين ] و جمع بين أصبعيه الوسطى و السبابة يعني أن الباقي منها كزيادة الوسطى على السبابة .
[ و روى سلمة بن عبد الله الجهني عن أبي مسجعة الجهني عن أبي رحاب الجهني أنه قال للنبي صلى الله تعالى عليه و سلم : رأيتك على منبر فيه سبع درج و أنت على أعلاها فقال : الدنيا سبعة آلاف سنة أنا في آخرها ألفا ] .
[ و روى أبو نضرة عن أبي سعيد الخدري قال : سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه و سلم بعد صلاة العصر يقول أيها الناس إن الدنيا خضرة حلوة و إن الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعلمون و أخذ في خطبته إلى أن قال : لأعرفن رجلا منعته مهابة الناس أن يتكلم بحق إذا رآه و شهده ثم قال و قد أزف غروب الشمس إن مثل ما بقي من الدنيا فيما مضى منه كبقية يومكم هذا فيما مضى منه يوفى بكم سبعون أمة قد توفي تسع و ستون و أنتم آخرها ] فصارت هذه المدة المقدرة في عمر الدنيا سبعة آلاف متفقا عليها فيما تضمنته الكتب الإلهية و وردت به الأنباء النبوية مع ما سلك به الموافق من تسيير الكواكب السبعة و إن كان المعول في المغيب على الأنباء الصادقة الصادرة عن علام الغيوب الذي لم يشرك في غيبه إلا من أطلعه عليه من رسله فخلق العالم في ستة أيام ابتداؤها يوم الأحد و انقضاؤها يوم الجمعة .
ابتداء الخلق : .
و اختلف أهل الكتب السالفة و أهل العلم في شرعنا فيما ابتدئ بخلقه على ثلاثة أقاويل : .
أحدها : و هو قول طائفة : أنه بدأ بخلق الأرض في يوم الأحد و الاثنين لقول الله تعالى : { قل أإنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين } و خلق الجبال في يوم الثلاثاء و خلق الماء و الشجر في يوم الأربعاء خلق السماء في يوم الخميس و خلق الشمس و القمر و النجوم و الملائكة و آدم في يوم الجمعة .
قال الشعبي : و لذلك سمي يوم الجمعة لأنه جمع فيه خلق كل شيء .
و الثاني : و هو قول فريق : أنه بدأ يخلق السموات قبل الأرض في يوم الأحد و الاثنين لقول الله تعالى : { فقضاهن سبع سماوات في يومين وأوحى في كل سماء أمرها } فيه ثلاثة أوجه : .
أحدها : أسكن في كل سماء ملائكتها .
و الثاني : خلق في كل سماء ما أودعه فيها من شمس و قمر و نجوم .
و الثالث : أوحى إلى كل سماء من الملائكة ما أمرهم به من العبادة ثم خلق الأرض و الجبال في يوم الثلاثاء و الأربعاء و خلق ما سواهما من العالم في يوم الخميس و الجمعة .
و الثالث : و هو قول آخرين : أنه خلق السماء دخانا قبل الأرض ثم فتقها سبع سموات بعد الأرض بقول الله تعالى : { ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها } فيه ثلاثة تأويلات : .
أحدها : أي أعطيا الطاعة في السير المقدر لكما باختيار أو إجبار قاله سعيد بن جبير .
الثاني : أخرجا ما فيكما طوعا و كرها .
الثالث : كونا كما أردت من شدة و لين و حزن و سهل و ممتنع و ممكن { قالتا أتينا طائعين } أي كما أردت أن تكون .
و في قولهما ذلك وجهان : .
أحدهما : أن ظهور الطاعة منهما قام مقام قولهما .
و الثاني : إنه خلق فيهما كلاما نطق بذلك .
قال أبو النظر السكسكي : فنطق من الأرض موضع الكعبة و نطق من السماء ما بحيالها فوضع الله فيها حرمه .
خلق آدم : .
فأما آدم فهو آخر ما خلق الله تعالى في يوم الجمعة خلقه من تراب الأرض و نفخ في أنفه من نسمة الحياة فهو أنفس من كل ذي حياة روى أبو زهر [ عن أبي موسى قال : قال رسول الله صلى الله تعالى عليه و سلم : خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض فجاء بنو آدم على قدر الأرض منهم : الأحمر و الأبيض و الأسود و بين ذلك و الحزن و السهل و الخبيث و الطيب و بين ذلك ] .
و في تسميته بآدم قولان : أحدهما : أنه اسم عبراني نقل إلى العربية و القول الثاني : إنه اسم عربي و فيه قولان .
أحدهما : أنه سمي بذلك لأنه خلق من أديم الأرض و أديمها وجهها .
و الثاني : سمي بذلك لاشتقاقه من الأدمة و هي السمرة .
خلق حواء : .
فلما تكامل خلق آدم استوحش فخلق له حواء .
و اختلف فيما خلقت منه على قولين .
أحدهما : أنه خلقها من مثل ما خلق منه آدم و هذا قول تفرد به ابن بحر .
و القول الثاني : و هو ما عليه الجمهور أنه خلقها من ضلع آدم الأيسر بعد أن ألقى عليه النوم حتى لم يجد لها مسا قال ابن عباس : فلذلك تواصلا و لذلك سميت امرأة لأنها خلقت من المرء .
و في تسميتها حواء قولان أحدهما : لأنها خلقت من حي .
و الثاني : لأنها أم كل حي فقال آدم : لما خلقت منه حواء : هذا الشخص عظمه من عظمي و لحمه من لحمي فلذلك صار الرجل و المرأة كجسد واحد من شدة الميل و فضل الحنو قال الله تعالى : { يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة } يعني آدم { وخلق منها زوجها } يعني حواء .
فروي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ خلق الرجل من التراب فهمه في التراب و خلقت المرأة من الرجل : فهمها الرجل ] .
متى خلقت حواء : .
و اختلف في الوقت الذي خلقت فيه حواء على قولين : .
أحدهما : أنها خلقت منه في الجنة بعد أن استوحش من وحدته و هذا قول ابن عباس و ابن مسعود .
و القول الثاني : أنها من ضلعه قبل دخوله الجنة ثم أدخلا معا إليها و هو أشبه بقول الله تعالى : { وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين } .
قال ابن عباس خلق آدم يوم الجمعة و أدخل الجنة يوم الجمعة و أخرج منها يوم الجمعة و فيها تقوم الساعة .
الجنة التي دخلها آدم : .
و اختلف في الجنة التي أسكنها على قولين : .
أحدهما : أنها جنة الخلد .
و القول الثاني : أنها جنة أعدها الله تعالى لهما دار ابتلاء و ليست جنة الخلد التي جعلها دار جزاء و فيها على هذا قولان : .
أحدهما : أنها في السماء لأنه أهبطها منها .
و القول الثاني : إنها في الأرض لأنه امتحنها فيها بلأمر و النهي .
الشجرة التي أكل منها آدم : .
و اختلف في الشجرة التي نهيا عن أكلها فقيل : إنها شجرة الخلد .
و قيل إنها شجرة العلم و في هذا العلم قولان : .
أحدهما : علم الخير و الشر .
و الثاني : علم ما لم يعلم .
و قيل في الشجرة غير ذلك من الأقاويل فلما أكلا منها بدت لهما سوآتهما بالمعصية و طفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة قال الله تعالى : { فأزلهما الشيطان عنها } حين بعثهما على أكل الشجرة { فأخرجهما مما كانا فيه } و فيه تأويلان : .
أحدهما : عما كانا فيه من الطاعة إلى ما صارا إليه من المعصية .
و الثاني : عما كانا فيه من النعيم في الجنة إلى ما صار إليه من النكد في الأرض فحزن آدم حين أهبط إلى الأرض و بقي في حزنه مائة سنة لا يقرب فيه حواء ثم غشيها فولدت له بعد المائة قابيل ثم غشيها فولدت له هابيل فقتل قابيل هابيل فحزن آدم لذلك حزنا شديدا .
و قيل : إنه جعل حزنه جزاء على معصيته في الأكل و قد يصاب الأباء في أولادهم من أجل معاصيهم ثم خف حزنه فغشي حواء فولدت له شيئا .
علم الله آدم الأسماء : .
و علم آدم الأسماء كلها كما ذكره الله تعالى في كتابه و فيما علمه من الأسماء قولان : .
أحدهما : علم النجوم قاله حميد .
الثاني : إنها أسماء مسميات و فيها ثلاثة أقاويل : .
أحدها : أسماء الملائكة قاله الربيع بن أنس .
و الثاني : أسماء جميع ذريته قاله عبد الرحمن بن زيد .
و الثالث : أسماء جميع الأشياء و فيه على هذا قولان .
أحدهما : أن تعليمه كان مقصورا على الأسماء دون معانيها .
و الثاني : أنه علمه الأسماء و معانيها لأنه لا فائدة في علم الأسماء بلا معان لأن المعاني هي المقصودة و الأسماء دلائل عليها .
هبوط آدم إلى الأرض : .
و لما هبط آدم إلى الأرض قيل إنه أهبط إلى شرقي أرض الهند و حواء بجدة و إبليس على ساحل نهر الأبلة و الحية في البرية .
و كانت نبوة آدم مقصورة عليه و ما نزل عليه من الوحي متوجها إليه فكان المصطفين دون المرسلين .
و اختلف فيه أهل الكتاب هل خلق في ابتدائه قابلا للموت أو جعل الموت عقوبة له على معصيته .
فقال بعضهم خلق آدم في ابتداء نشأته على الطبيعة الباقية و الطبيعة الميتة ليكون إن مال إلى الشهوات الجسمانية و أثرها وقع في التغايير الجسمانية و ناله الموت و إن آثر فضائل النفس الأمارة بالخير نال البقاء الذي سعدت به الملائكة فلم تمت فلما عصى بأكل الشجرة عدل إلى التغايير فناله الموت و استشهدوا عليه من التوراة بما ذكر فيها : إنك إن أكلت من الشجرة يوم تأكل منها فموتا تموت فلم يجز أن يتوعده بالموت عند معاقبته و هو يموت لو لم يعاقب .
و قال آخرون منهم ـ و هو أشبه بمقتضى العقول : إنه خلق في ابتداء إنشائه قابلا للموت في الدنيا و إن لم يعص لأنه أحوجه إلى الغداء كذريته و ليس شيء من الجواهر التي لا ينالها الموت محتاجة إلى الغذاء و لم يجعل الموت عقوبة على المعصية و لذلك لم يمت من عصى من الملائكة و إن في التوراة مكتوبا إن مد يده في الجنة إلى شجرة الحياة و أكل منها حيي الدهر كله فدل على أنه مطبوع على قبول الموت .
خلق الله آدم على أكمل عقل : .
و لما خلق الله تعالى آدم ابتداء و لم يخلقه بتوسط طبيعة كما خلق نسله كان على أفضل اعتدال و أكمل عقل فصار قلبه معدنا للحكمة الإنسانية و جسده مهيأ للأفعال البشرية فلم يمتنع عليه شيء منها حتى أحاط علاما و قدرة بجميعها و لذلك علم الأسماء كلها و ألهم الحكمة بأسرها و اطلع على أسرار النجوم و عملها و عرف منافع الحيوان و النبات و مضارها و لولا ذلك لما فرق بين الغذاء و الدواء و لا بين السموم القاتلة و الشفاء و لا اهتدى بالنجوم في بر و لا بحر و كان هو المدبر لأولاده مدة حياته حتى مات بعد تسعمائة و ثلاثين سنة من عمره ثم قام بالأمر من بعده شيث بن آدم فبرع في الحكمة و فاق في علم النجوم بما أخذه عن أبيه آدم و بما استفاده بالتجربة و مررو الزمان .
أولاد آدم : .
و اختلف أهل الكتاب في نبوة شيث فادعاها بعضهم و أنكرها آخرون منهم و ولد بعد مائتين و ثلاثين سنة من عمر أبيه آدم و مات و له تسعمائة و اثنتا عشرة سنة فكان قيامه بالأمر بعد موت آدم مائتين و اثنتي عشرة سنة و اتفق أهل الكتاب أنه لم يكن بين شيث و إدريس نبي غير إدريس ثم قام بلأمر بعد شيث ولده أنوش بن شيث و كان مولده بعد مائتين و خمسين سنة من عمر شيث و مات أنوش و له تسعمائة و خمسون سنة فكان قيامه بالأمر بعد شيث مائتين و ثماني و ثمانين سنة .
ثم قام بالأمر بعد أنوش ولده قينقان بن أنوش و ولد بعد مائة و تسعين سنة من عمر أنوش و مات قينان و له تسعمائة و عشرون سنة فكان قيامه بالأمر بعد آنوش مائة و تسعين سنة ثم قام بالأمر بعد قينان و لده مهلاييل و ولد بعد ثمانمائة و خمس و سبعين فكان قيامه بالأمر بعد قينان مائة و عشر سنين .
ثم قام بالأمر بعد مهلاييل ولده يارد بن مهلاييل و ولد بعد مائة و خمس و ستين سنة من عمر مهلاييل و مات يارد وله تسعمائة و اثنتان و ستون سنة فكان قيامه بالأمر بعد مهلابيل مائتين و اثنتين و خمسين سنة .
ثم قام بالأمر بعد يارد ولده أخنوخ بن يارد و هو إدريس و ولد بعد مائة و اثنتين و ستين سنة من عمر يارد و هو نبي على قول جميع أهل الملل .
و اختلف أهل الكتاب هل هو أول الأنبياء أو ثانيهم فقال من زعم أن شيئا نبي هو ثاني الأنبياء .
و قال من زعم أن شيئا ليس بنبي أن إدريس أول الأنبياء و هو أول من شرع الأحكام و أول من اتخذ السلاح و جاهد في سبيل الله تعالى و سبى و قتل بني قابيل و لبس الثياب و كانوا يلبسون الجلود و أول من كتب الخط في قول الأكثرين و أول من وضع الأوزان و الكيول ثم رفعه الله تعالى إليه حيا بعد سبعمائة و خمس و ثمانين سنة من عمره أقام فيها داعيا و أبوه حي على ما يقتضيه تاريخ هذه المواليد و الأعمار المأخوذة من التوراة المنزلة .
قال ابن قتيبة : و سمي إدريس لكثرة ما كان يدرس من كتب الله تعالى و سنن الإسلام .
نوح عليه السلام : .
ثم كثر الناس فافترقوا بعد إدريس و زادوا إلى زمن نوح بن لمك بن متوشلخ بن أخنوخ و هو إدريس و هو آخر نبي بعث قبل الطوفان على قول من زعم أن شيئا نبي .
و نزل الطوفان بعد ستمائة سنة من عمره و أنذر قومه فكذبوه و صنع السفينة فسخروا منه و أمره الله تعالى أن يصنعها في طول ثلاثمائة ذراع و عرض خمسين ذراعا و علو ثلاثين ذراعا و تكون ثلاث طبقات ليركب فيها هو و أهله و يأخذ من كل جنس من الحيوان زوجا ذكرا و أنثى ليكونوا أصولا لنسلهم فيحيا بهم العالم ثم وعده أن يستمطره بعد سبعة أيام أربعين يوما و أربعين ليلة فلم يبق في الأرض ذو روح إلا من ركبها و غاض الطوفان بعد مائة و خمسين يوما فاستوت على الجودي و هو جبل بأرض الجزيرة شهرا و سمي الماء طوفانا لأنه طفا فوق كل شيء .
و اختلف فيما عاش نوح بعد الطوفان فقال الأكثرون : ثلاثمائة و خمسين سنة و هو ظاهر و مانزل به القرآن و قال آخرون ستمائة و خمسين سنة لأنه لبث تسعمائة و خمسين سنة داعيا لقومه و كان له قبل دعائه ثلاثمائة سنة .
التاريخ من آدم إلى نوح عليهما السلام : .
و اختلف فيما بين هبوط آدم من الجنة إلى مجيء الطوفان فقال اثنان و سبعون حبرا من بني إسرائيل نقلوا التوراة إلى اليونانية : بينهما ألفان و مائتان و اثنتان و أربعون سنة .
ثم تبللت الألسن بعد الطوفان بستمائة و سبعين سنة فافترق اثنان و سبعون لسانا في اثنتين و سبعين أمة قال و هب بن منبه : منها في ولد سام بن نوح تسعة عشر لسانا و في ولد حام سبعة عشر لسانا و في ولد يافث ستة و ثلاثون لسانا و من تبلبل الألسن إلى مولد إبراهيم الخليل عليه السلام أربعمائة و إحدى عشرة سنة و من مولد إبراهيم إلى موسى بن عمران عليه السلام أربعمائة و خمس و عشرون سنة و أخرج بني إسرائيل من مصر بعد ثمانين سنة و دبر أمرهم أربعين سنة ومات وله مائة و عشرون سنة فصار من هبوط آدم إلى وفاة موسى ثلاثة آلاف و ثمانمائة و ثماني و ستين سنة .
و قال آخرون من بني إسرائيل المقيمين على التوراة العبرانية التي يتداولها جمهور اليهود في وقتنا إن من هبوط آدم من الجنة إلى مجيء الطوفان ألفا و ستمائة و ستا و خمسين سنة و من انقضاء الطوفان إلى تبلبل الألسن مائة و إحدى و ثلاثين و إحدى و ثلاثين سنة و من تبلبل الألسن إلى مولد إبراهيم مائة و إحدى وستين سنة و من مولد إبراهيم إلى وفاة موسى خمسمائة و خمسا و أربعين سنة فصار الوقت من هبوط آدم إلى وفاة موسى ألفين و أربعمائة و ثلاثا و تسعين سنة .
و قالت السامرة من اليهود عن تاريخ توراتهم إن من هبوط آدم من الجنة إلى مجيء الطوفان ألفا و ثلثمائة و سبعا و ستين سنة و من الطوفان إلى تبلبل الألسن خمسمائة و ستا و عشرين سنة و من تبلبل الألسن إلى مولد إبراهيم أربعمائة و إحدى عشرة سنة و من مولد إبراهيم إلى وفاة موسى خمسمائة و خمسا و أربعين سنة فصار من هبوط آدم إلى وفاة موسى ألفين و ثمانمائة وتسعا و أربعين سنة .
أول نبي بعد نوح عليه السلام : .
و أول نبي بعد نوح إبراهيم و هو أول من قص شاربه و استحد و اختتن و قلم أظفاره و استاك و تمضمض واستنشق و استنجى بالماء .
و اول من أضاف الضيف و أطعم المساكين و ثرد الثريد و كان داعيا إلى عبادة الله تعالى و توحيده ثم ولده إسحق بن إبراهيم ولد له عيصو و يعقوب توأمين في بطن واحد فخرج عيصو ثم خرج بعده يعقوب ويده عالقة على عقبه فسمى يعقوب فعيصو أبو الروم و كان أصفر فلذلك سميت الروم بني الأصفر و يعقوب هو إسرائيل أبو الأسباط و أيوب بن بولص كان أبوه ممن آمن بإبراهيم يوم أحرق وكان في زمن يعقوب و كان صهره زوجه يعقوب بنته ليا وهي التي ضربها بالضغث .
أول نبي من بني إسرائيل : .
و أول نبي من بني إسرائيل موسى و آخرهم عيسى وكانت نبوة يعقوب بن إسحق بن إبراهيم و من بعده من ولده قبل موسى مقصورة على أنفسهم حتى دعا موسى إلى نبوته بني إسرائيل و من وفاة موسى إلى ملك بختنصر تسعمائة و ثمان و سبعون سنة و إلى ملك الإسكندر ألف و أربعمائة و ثلاث عشرة سنة .
آخر أنبياء بني إسرائيل : .
و ولد عيسى ليلة الأربعاء الخامس و العشرون من كانون الأول لسبعمائة و تسع وثلاثين سنة من ملك بختنصر و لثلاثمائة و أربع سنين من ملك الإسكندر و من ملك بختنصر إلى ابتداء الهجرة ألف و ثلثمائة و تسع و ستون سنة و من ملك الإسكندر إلى ابتداء الهجرة ألفان و ثلثمائة و سبع و أربعون سنة فكان بين موت موسى و ابتداء الهجرة ألفان و ثلثمائة و سبع و أربعون سنة .
و مولد عيسى بعد ألف و سبعمائة و سبع عشرة سنة من موت موسى و قيل بعد ستمائة و ثلاثين سنة من ابتداء الهجرة .
مدة الدنيا : .
فإذا تقرر ما ذكرناه من مدة الدنيا أنها مقدرة في الكتب الإلهية بسبعة آلاف سنة كان الماضي منها إلى ابتداء الهجرة محمولا على ما قدمناه من اختلاف أهل التوراة فيكون على القول الأول المأخوذ عن الأحبار الناقلين لها إلى اليونانية ستة آلاف و مائتين و ست عشرة سنة و الباقي من عمر الدنيا على قولهم بعد الهجرة سبعمائة و أربع و ثمانون سنة و هو موافق لقول رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ الدنيا سبعة آلاف سنة بعثت في آخرها ألفا ] و يكون الماضي منها على القول الثاني المأخوذ عن التوراة العبرانية أربعة آلاف و ثمانمائة و إحدى و أربعين سنة و الباقي من عمر الدنيا على هذا القول بعد الهجرة ألفا و مائة و تسعا و خمسين سنة .
و قيل إنهم قالوا ذلك ليكون رسول الله صلى الله تعالىعليه و سلم في خامسها ألفا فيدفعوه بنقصان التاريخ عن صفته في التوراة إنه مبعوث في آخر الزمان و يكون الماضي على القول الثالث في توراة السامرة خمسة آلاف و مائة و سبعا و ثلاثين سنة و الباقي من عمر الدنيا على هذا القول بعد الهجرة ألفا و ثمانمائة و ثلاثا و ثلاثين سنة ليكون الرسول في سادسها ألفا لما قيل من سنيه .
و السامرة قوم ناقلة من بلاد المشرق سموا بذلك لأن تفسيره بالعربية الحفظة و هم لا يقبلون من كتب الأنبياء إلا التوراة وحدها .
قيام الساعة : .
و الأول لأجل قول الرسول بالأشبه و إن كان قيام الساعة و انقراض مدة الدنيا و قيام العالم على هذا التاريخ الذي أثبتوه و التقدير الذي حققوه مدفوعا عندنا بقول الله تعالى : { إن الله عنده علم الساعة } و فيه تأويلان : .
أحدهما : إن قيامها مختص بعلمه فامتنع أن يشاركه في علمها أحد من خلقه .
و الثاني : إن قيامها موقوف على إرادته فامتنع أن يوقف على غير إرادته و قال تعالى : { فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة } يعني فجأة و البغتة غير معلومة فامتنع أن تكون عندهم معلومة .
ثم قال : { فقد جاء أشراطها } فيه وجهان أحدهما : نبوة محمد صلى الله تعالى عليه و سلم و هذا يدل على أنه مبعوث في آخرها ألفا و الثاني إن أشراطها الآيات المنذرة بها .
كما قال : { وما نرسل بالآيات إلا تخويفا } فلا تقوم الساعة إلا بعد أن ينذر الله تعالى بآياتها .
روى سفيان بن عيينة [ عن فرار عن أبي الطفيل عن حذيفة بن أسد الغفاري قال : أشرف علينا رسول الله صلى الله تعالى عليه و سلم من علية و نحن نتذاكر أمر الساعة قال : ما كنتم تذاكرون قلنا قيام الساعة قال : إن الساعة لن تقوم حتى يكون قبلها عشر آيات قال : لا يدري بأيهن بدأ : طلوع الشمس من مغربها و الدجال و الدخان و دابة الأرض و نزول عيسى ابن مريم و خروج يأجوج و مأجوج و ثلاث خسوف خسف بالمشرق و خسف بالمغرب و خسف بجزيرة العرب و آخر ذلك نار تخرج من قبل اليمن أو من عدن تطرد الناس إلى محشرهم ] .
[ و روى برد عن مكحول عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : يخرج الدجال في الثمانين فإن لم يخرج ففي ثمانين و مائتين فإن لم يخرج ففي ثلاثمائة و ثمانين فإن لم يخرج ففي أربعمائة و ثمانين ] .
[ و روى معاذ بن جبل : أن النبي صلى الله تعالى عليه و سلم ذكر الدجال فقال يقيم فيكم أربعين سنة أول سنة كالشهر ثم الثانية كالجمعة ثم الثالثة كاليوم و سائر سنيه كالساعة حتى ينزل عيسى بن مريم فيوجره بالحربة فيذوب كما يذوب الرصاص ] و في هذا دليل على تقدم يأجوج و مأجوج الدجال و آخرها الذي تقوم به الساعة ظهور النار و الله أعلم بمن استأثر بغيبه ثم من أطلعه عليه من رسله .
الأنبياء بين موسى و عيسى عليهما السلام : .
و بين موسى و عيسى عليهما السلام من الأنبياء شعيا و هو الذي بشر بني إسرائيل بنبوة محمد صلى الله تعالى عليه و سلم و وصفه بعد أن بشر بعيسى فقتله بنو إسرائيل ثم حزقيل و هو الذي أصاب قومه الطاعون فخرجوا من ديارهم حذر الموت فأماتهم الله ثم أحياهم .
و منهم دانيال سباه بختنصر مع العزير و نزل من بختنصر أفضل منزل لرؤيا عبرها له و قبره بناحية السوس وجده أبو موسى الأشعري فأخرجه و كفنه و صلى عليه و دفنه .
و منهم الياس بعث إلى أهل بعلبك و كانوا يعبدون صنما يقال له بعل و كان ملكهم اسمه أجب و امرأته أزبيل و كان يستخلفها على ملكه و هي بنت ملك سبأ و عمرت عمرا طويلا و تزوجها سبعة من ملوك بني إسرائيل و هي التي قتلت يحيى بن زكريا عليهما السلام ثم رفع الله تعالى الياس .
ثم اليسع كان تلميذ الياس فدعا له الياس فنبأه الله بعده .
ثم يونس بن متى ثم زكريا قتله بنو إسرائيل في الشجرة ثم عيسى و يحيى فأما يحيى فإن أجب الملك قتله بحيلة امرأته أزبيل .
و أما عيسى فإن أمه هربت به من أجب الملك إلى مصر و عاد به يوسف النجار مع أمه إلى قرية تدعى ناصرة فلذلك قيل لأصحابه نصارى لأنهم سموه عيسى الناصري .
أصحاب الكهف : .
و أصحاب الكهف : هم فتية من الروم دخلوا الكهف قبل المسيح عيسى و ضرب الله على آذانهم فيه فلما بعث المسيح أخبر بخبرهم ثم بعثهم الله تعالى بعد المسيح في الفترة بينه و بين النبي صلى الله تعالى عليه و سلم .
و جرجيس من أهل فلسطين أدرك بعض الحواريين و بعث إلى ملك الموصل .
لقمان الحكيم : .
فأما لقمان الحكيم فكان عبدا حبشيا لرجل من بني إسرائيل و كان في زمن داود و اسم أبيه ثاران و اختلف في نبوته فزعم الأكثرون أنه لم يكن نبيا و قال سعيد بن المسيب كان نبيا و كان خياطا .
و ذو الكفل من بني إسرائيل بعث إلى ملك كان فيهم يقال له كنعان دعاه إلى الإيمان و كفل له الجنة و كتب له كتابا و سمي ذا الكفل لذلك .
عدد الأنبياء : .
و ذكر وهب بن منبه أن الأنبياء كلهم مائة ألف نبي و أربعة و عشرون ألف نبي : الرسل منهم ثلاثمائة نبي و خمس عشر نبيا منهم خمسة عبرانيون : آدم و شيث و إدريس و نوح و إبراهيم و خمسة من العرب هود و صالح و إسماعيل و شعيب و محمد صلوات الله عليهم .
حنظلة بن صفوان : .
و روى أبو صالح عن ابن عباس قال : يعث الله إلى أهل الرس نبيا منهم يقال له [ حنظلة بن صفوان ] فكذبوه و قتلوه فأوحى الله تعالى إلى نبي كان مع بختنصر يقال له أرميا بن برخيا مر بختنصر يغزو العرب الذين لا أغلاق لبيوتهم فيقتلهم بما صنعوا بنبيهم .
و روي أن رسول الله صلى الله تعالى عليه و سلم قال : [ ذاك نبي أضاعه قومه ] و ذلك أنه قال لقومه ادفنوني فإذا جاءت الظباء بعد ثلاث فأخرجوني فسأنبئكم بما أمرت فجاءت الظباء إلى قبره بعد ثلاث فلم يخرجوه و قالوا تتحدث العرب عنا إنا نبشنا موتانا و أتت بنته رسول الله صلى الله عليه و سلم فسمعته يقرأ : { قل هو الله أحد } فقالت : قد كان أبي يقرأ هذا و لا يضبط ذكر من سلف من الأنبياء لكثرتهم و قول الله تعالى لنبيه صلى الله تعالى عليه و سلم : { منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك } و الله تعالى أعلم