القرآن معجز للعرب العاربة و المولدين .
فإن قيل : أفيعتبرون عجز العرب العاربة عنه دون المولدين أو عجز الجميع .
قيل : فيه خلاف بين أهل العلم على وجهين : .
أحدهما : أن المعتبر فيه عجز الجميع ليكون أعم و الوجه الثاني معتبر فيه عجز العرب العاربة دون المولدين ليكون معتبرا بمن يلجأ إلى طبعه و لا يعول على تكفله و تعلمه .
و هكذا اختلفوا هل يعتبر فيه عجز أهل عصره أو في جميع دهره على هذين الوجهين : .
أحدهما : يعتبر فيه عجز أهل العصر لأنهم حجة على أهل كل عصر و الوجه الثاني : أنه يعتبر عجز أهل عصر لعموم التحدي فيه لأهل كل عصر .
إعجاز القرآن من الله تعالى : .
فإن قيل : فليس عجز كل الإنس عن مثله موجبا لإضافته إلى الله تعالى لجواز أن تكون الشياطين قد أعانت عليه حتى خرج عن مقدور الإنس كما أعانت سليمان على ما عجز عنه الإنس فعنه أجوبة : .
أحدها : إن هذ يتوجه على موسى في فلق البحر و على عيسى في إحيار الموتى و يقدح في جميع النبوات فلم يجز لمن أثبتها أن يخص به بعض المعجزات .
و الجواب الثاني : أن الشياطين لم يعرفوا إلا من الرسل و لولاهم لما علم الناس أن في الدنيا شيطانا و لا جانا و قد جهر الرسل بلعنهم و دعوا إلى معصيتهم و لو كانوا أعوانا لدعوا إلى طاعتهم و موالاتهم لأن معونة من أطيع و ولي أحق من معونة من عصى وعودي .
و الجواب الثالث : أن الشياطين لا يقدرون على ذلك إلا بمعونة الله تعالى لهم و هو لا يعين كاذبا عليه فإن كان عن أمره كان معجزا لأنه من فعله و على هذا كان تسخير سليمان للجن و الله تعالى غني عن الشياطين أن يكونوا سفراء إلى رسله و أعوانا لأنبيائه و هم ينهمون عن طاعته و يدعون إلى معصيته و هذا القرآن و قد تحدى به الجن كما تحدي به الإنس بقوله تعالى : { قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا } .
و حكى عنهم عجزهم عنه بقوله سبحانه : { إنا سمعنا قرآنا عجبا * يهدي إلى الرشد فآمنا به } .
الرسول أعلمنا أن الإعجاز من الله : .
فإذا تقررت هذه الجملة في إعجاز القرآن فإعجازه يعلم أنه من غير كلام البشر و لا يعلم أنه من عند الله تعالى إلا بقول الرسول فلو أراد الرسول أن يقول مثله لم يقدر عليه لأنه من البشر إلا أن يمده الله تعالى بعون منه فيصير قادرا عليه و معجزا له لو لم يضف القرآن إلى الله تعالى فأما مع إضافته إليه فلا يكون معجزا له و يكون مصروفا عنه لأن ما أضيف إلى الله تعالى يمتنع أن يكون من غيره لدخوله في جملة الكذب ثم يصير القرآن أصلا للشرع و معجزا للرسول فيجب على الأمة التزام أحكامه و طاعة الرسول .
طاعة القرآن لازمة عقلا و شرعا : .
و اختلف في لزوم طاعته و هل وجبت بعد ثبوت رسالته بالعقل أو بالشرع على وجهين : .
أحدهما : بالعقل لأن طاعة الرسول طاعة المرسل .
و الوجه الثاني : بالشرع بقوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم } لأن الرسول مبلغ .
القرآن أصل الشرع : و إذا كان القرآن أصلا للشرع فقد اختلف العلماء في حد الأصل و الفرع على وجهين : .
أحدهما : أن حد الأصل ما دل على غيره و حد الفرع ما دل عليه غيره فعلى هذا يكون القرآن فرعا لعلم الحس لأنه الدال على صحته .
و الوجه الثاني : أن الأصل ما تفرع عنه غيره و الفرع ما تفرع عن غيره فعلى هذا يمتنع أن يكون القرآن فرعا لعلم الحس لأن الله تعالى تولاه و جعله أصلا دل العقل عليه .
إبلاغ الرسول ملزم للأمة : .
و اختلف العلماء في إبلاغ الرسول هل يكون أمرا أو إعلاما ؟ .
فقال بعضهم يكون أمرا لا يلزم الأمة أحكامه لو عرفوه قبل إبلاغه و الوجه الثاني : يكون إعلاما و يلزمهم أحكامه لو عرفوه قبل إبلاغه و يجوز أن يعلم جميع الأحكام الشرعية من القرآن و لا يجوز أن يعلم جميعها من الاجتماع و لا من القياس لأنهما ينعقدان عن أصل مسموع .
و اختلف في جواز العلم بجميعها من سنة الرسول فجوزه بعضهم لقوله تعالى : { وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا } و امتنع منه بعضهم لقوله تعالى : { وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى } و الله تعالى أعلم