الأغيار فإن الجزاء إنما يكون على كامل ولا كمال عندك إذ ذاك فإنك إنما عملت لحظ نفسك لا لوجه مولاك فصرت كأجير السوء أن لم يأخذ الأجرة لم يعمل ويكفي المريب أي المرتاب في كون مولاه يعطيه الأجر وإن لم يقصده بعمله وجدان السلامة من العقاب أي يكفيه أن الله لم يعاقبه على هذا القصد القبيح . وقد كرر المصنف هذا المعنى اهتماماً بشأنه فقال : .
( 122 ) لا تطلب عوضاً على عمل لست له فاعلاً يكفي من الجزاء لك على العمل أن كان له قابلاً .
أي لا تطلب - أيها المريد - جزاء على عمل لست له فاعلاً في الحقيقة فإن الله يقول في كتابه المكنون : { وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ } ( 96 ) الصافات . وإذا كان مولاك هو الفاعل في الحقيقة وجعلك محلاً لظهور فعله تفضلاً منه فكيف تطلب جزاء على غير فعلك . يكفي من الجزاء لك على العمل الذي هو لك بطريق المجاز أن كان - بفتح الهمزة - أي كونه له قابلاً ولم يؤاخذك بعدم الصدق فيه من حيث إنه من كسبك .
( 123 ) إذا أراد أن يظهر فضله عليك خلق ونسب إليك .
أي إذا أراد الله سبحانه أن يظهر فضله وإحسانه عليك - أيها المريد - خلق العمل الصالح فيك ونسبه إليك على ألسنة العبيد بأن يطلق ألسنتهم بأنك مطيع . فينبغي لك أن تشهد هذا الفضل العظيم وتستحي من مولاك الكريم لتتأدب بقول سهل بن عبد الله Bه : إذا عمل العبد حسنة وقال : يا رب أنت بفضلك استعملت وأنت أعنت وأنت سهلت . شكر الله تعالى له ذلك وقال له : يا عبدي بل أنت أطعت وأنت تقربت وإذا نظر إلى نفسه .
ص 99 .
وقال : أنا عملت وأنا أطعت وأنا تقربت . أعرض الله تعالى عنه وقال : يا عبدي أنا وفقت وأنا أعنت وأنا سهلت . وإذا عمل سيئة وقال : يا رب أنت قدرت وأنت قضيت وأنت حكمت . غضب المولى عليه وقال له : يا عبدي بل أنت أسأت وأنت جهلت وأنت عصيت . وإذا قال : يا رب أنا ظلمت وأنا أسأت وأنا جهلت . أقبل المولى عليه وقال : يا عبدي أنا قضيت وأنا قدرت وقد غفرت وحلمت وسترت .
( 124 ) لا نهاية لمذامك أن أرجعك إليك ولا تفرغ مدائحك أن أظهر جوده عليك .
أي لا نهاية لما تذم به - أيها المريد - من القبائح أن أرجعك مولاك إلى نفسك وخلى بينك وبينها - فإن النفس أمارة بالسوء - وذلك من علامات الطرد والإبعاد . ولا تفرغ أي لا تنتهي مدائحك أي محاسنك التي تمدح بها أن أظهر جوده عليك ونصرك على نفسك فتكون ممن رحمه واجتباه ووفقه لما يحبه ويرضاه .
( 125 ) كن بأوصاف ربوبيته متعلقاً وبأوصاف عبوديتك متحققاً .
أي كن - أيها المريد - متعلقاً بأوصاف ربوبيته تعالى من غنى وعز وقوة وعلم ونحو ذلك بأن تشاهد أن هذه الأوصاف إنما هي لمولاك فقط وإذا وجدت في غيره فهي عارية منه تعالى ولا تشهد هذا المشهد إلا إذا تحققت بأوصاف عبوديتك من الفقر والذل والعجز والجهل ونحو ذلك . فإذا تحققت بما هو لك وتعلقت آمالك بما هو له أمدك بأوصافه فتكون غنياً بالله عزيزاً بالله قادراً بالله عالماً بالله إلى غير ذلك . كما سيقول المصنف : تحقق بأوصافك يمدك بأوصافه . ثم ذكر ما هو كالدليل لهذه الحكمة بقوله :