الطاعات الواجبة عليك بأعيان الأوقات المعينة لوقوعها فيها ولم يطلق وقتها كي لا يمنعك عنها وجود التسويف منك فيفوتك ثوابها . والثانية : أنه وسع عليك الوقت رأفة بك ولم يضيقه عليك كي تبقى حصة الاختيار فتأتي بالطاعة في حال سكون وتمهل في أول الوقت أو في وسطه أو في آخره .
فقم بشكر مولاك على ما أولاك .
( 195 ) علم قلة نهوض العباد إلى معاملته فأوجب عليهم وجود طاعته فساقهم إليه بسلاسل الإيجاب " عجب ربك من قوم يساقون إلى الجنة بالسلاسل " .
أي علم الله سبحانه وتعالى قلة نهوض عامة عباده إلى معاملته من إقامة العبودية طوعاً منهم فأوجب عليهم وجود طاعته كرهاً لأجل ما خوفهم به أن لم يفعلوا فساقهم إليه بسلاسل الإيجاب و التخويف و استدرجهم بذلك إلى ما فيه نعيمهم و رفعهم إلى المقام المنيف كما يفعل ولي الصبي عند إرادة تأديبه فإنه لا يتركه إلى طبيعته و أهوائه تجري به بل يلزمه أموراً يشق عاليه فعلها فإذا بلغ مبلغ الرجال تبين له نفعها . فيكونون كأسارى الكفار الذين يراد بهم الدخول في الإسلام و هم يكرهون ذلك مع أنه موصل إلى الجنة دار السلام كما أشار إلى ذلك بالحديث الشريف الذي رواه بالمعنى و لفظه : " عجب اللَّه من أقوام يقادون إلى الجنة بالسلاسل " . و هذا الحديث في أسارى بدر الذين أسروا ثم أسلموا .
و المراد من قوله : ( عجب ربك . . الخ ) إظهار غرابة ذلك الأمر لخلقه .
ص 135 .
فيتعجبون منه لأن العجب الذي هو استعظام أمر خفي سببه مستحيل على اللَّه تعالى . واعلم أن الخاصة لا يحتاجون إلى الإيجاب و التخويف و التحذير لتنوير بصائرهم و حبهم لطاعة اللطيف الخبير فلم يقتصروا على ما اقتصر عليه العامة من الواجبات بل أضافوا إليها نوافل الخيرات وصارت أعمالهم كلها قربات . و إلى ذلك الإشارة بقوله صلى اللَّه عليه و سلم : " نعم العبد صهيب لو لم يخف اللَّه لم يعصه " .
( 196 ) أوجب عليك وجود خدمته و ما أوجب عليك إلا دخول جنته .
أي أوجب الحق تعالى عليك في الظاهر وجود خدمته و في الحقيقة و نفس الأمر ما أوجب عليك إلا دخول جنته فإنه سبحانه جعل الأعمال سبباً لدخول الجنة .
و المقصود بهذه الحكمة و ما قبلها الإعلام بأن اللَّه تعالى غني عن خلقه لا تنفعه طاعتهم و لا تضره معصيتهم بل التكاليف كلها ترجع إلى ما فيه منفعتهم و اللَّه هو الغني الحميد .
( 197 ) من استغرب أن ينقذه اللَّه من شهوته و أن يخرجه من وجود غفلته فقد استعجز القدرة الإلهية { وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا } 45 الكهف .
أي من استغرب أن يخلصه اللَّه من شهوته التي أسرته و أن يخرجه من