يوضحها قول الإمام أحمد بن سهل : أعداؤك أربعة : الدنيا وسلاحها الخَلقْ وسجنها العزلة . والشيطان وسلاحه الشبع وسجنه الجوع . والنفس وسلاحها النوم وسجنها السهر . والهوى وسلاحه الكلام وسجنه الصمت . واعلم أن الشأن في العزلة أن تكون بالقلب والقالب بأن يتباعد صاحبها عن الخلق . وقد تكون بالقلب فقط بأن يختلط بجسمه معهم مع تعلق قلبه بالحق كما قالت رابعة العدوية في مقام المشاهدة القلبية : .
ولقد جعلتُك في الفؤاد محدَّثي وأبحتُ جسمي مَنْ أراد جلوسي .
فالجسمُ مني للجليسِ مؤانسٌ وحبيبُ قلبي في الفؤاد أنيسي .
( 13 ) كيف يُشرقُ قَلْبٌ صُوَرُ الأكوانِ مُنْطَبِعَةٌ في مرآته ؟ أمْ كيف يرحلُ إلى الله وهو مكَبَّلٌ بشَهواته ؟ أم كيف يطمع أن يدخل حضرةَ الله وهو لم يتطهَّر من جَنَابَةِ غَفَلاتِهِ ؟ أم كيف يرجو أن يفهم دقائقَ الأسرارِ وهو لم يَتُبْ من هَفَواتِهِ ؟ .
هذه الحكمة كالتوجيه للحكمة التي قبلها وذلك لأن العزلة المصحوبة بالفكرة يتخلى القلب بها عن الأغيار وبها يرحل إلى الله ويدخل حضرته ويتحلى بفهم دقائق الأسرار . وأما القلب الذي طُبعت في مرآته صوَرُ المكونات فاشتغل بها وصار مكبلاً أي مقيداً بالشهوات فإنه لا ينال الإشراق ولا