تطلب الكرامة ومولاك مطالبك بالاستقامة ولأن تكون بحق مولاك خير من أن تكون بحظ نفسك وهواك . وهذه الحكمة عمدة في طريق القوم فطهر نفسك من أنواع الرذائل قبل أن يتوجه إليها اللوم .
( 33 ) الحق ليس بمحجوب وإنما المحجوب أنت عن النظر إذ لو حجبه شيء لستره ما حجبه ولو كان له ساتر لكان لوجوده حاصر وكل حاصر لشيء فهو له قاهر . { وَهُوَ الْقَاهرُ فَوْقَ عِبَادِهِ } ( 18 ) الأنعام .
يعني أن الحجاب لا يتصف به الحق سبحانه وتعالى لاستحالته في حقه . وإنما المحجوب أنت أيها العبد بصفاتك النفسانية عن النظر إليه فإن رمت الوصول فابحث عن عيوب نفسك وعالجها فإن الحجاب يرتفع عنك فتصل إلى النظر إليه بعين بصيرتك وهو مقام الإحسان الذي يعبرون عنه بمقام المشاهدة . وقد استدل المصنف على استحالة الحجاب على رب الأرباب بقوله : إذ لو حجبه شيء لستره ما حجبه أي عن النظر إليه ولو كان له ساتراً لكان لوجوده أي ذاته حاصر أي محيط به لاستلزام الساتر لانحصار المستور فيه وكل حاصر لشيء فهو له قاهر لأنه يجعله في أسر قبضته وتحت حكمه وذلك لا يصح في حقه تعالى لقوله في كتابه : { وَهُوَ الْقَاهرُ فَوْقَ عِبَادِهِ } ( 18 ) الأنعام فوقية معنوية لا مكانية فإنه تعالى منزه عن الزمان و المكان .
( 34 ) أخرج من أوصاف بشريتك عن كل وصف مناف لعبوديتك لتكون لنداء الحق مجيباً ومن حضرته قريباً .
أوصاف البشرية إما ظاهرة وهي أعمال الجوارح . وإما باطنة وهي أعمال القلب . وكل منهما إما طاعة وإما معصية . والنظر فيما يتعلق بالأعمال .
ص 44 .
الظاهرة من طاعة أو معصية يسمى تفقهاً . وفيما يتعلق بالأعمال الباطنة يسمى تصوفاً . ومتى صلح الباطن صلح الظاهر . فإن القلب كالملك والجوارح كالجنود التي لا تتخلف عن طاعته . وصلاحه إنما يكون بالتخلي عن كل وصف مناقض للعبودية كالكبر والعجب والرياء وغير ذلك والتحلي بالأوصاف المحمودة التي تقربه إلى السيد المالك كالتواضع والحلم والرضا والإخلاص في العبودية إلى غير ذلك من أوصاف الإيمان التي يكتسب بها أبهى مزية . فإذا تخلق المريد بذلك ناداه الحق بقوله له : يا عبدي فيجيبه حينئذ بقوله : لبيك يا ربي فيكون صادقاً في إجابته محققاً لنسبته . وهذه هي العبودية الخاصة لأن العبودية قسمان : عبودية ملك وقهر وهي عامة لكل المخلوقات كما في قوله تعالى : { أن كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَانِ عَبْدًا } ( 93 ) مريم . وعبودية خاصة بأحبابه وهي المرادة بقول القاضي عياض :