تمسَّكْ بأذيالِ الهوى واخلَعِ الحَيا وخلِّ سبيلَ النَّاسكينَ وإنْ جَلُّوا .
فإنه لم يُرِدْ الأمرَ بترك العبادة لأنه كان من أعظم العُبَّاد بل أراد عدم التعويل عليها والاعتماد على فضل الكريم الجواد . وفي الحديث : " لن يُدْخِلَ أحداً عملُهُ الجنة " قالوا : ولا أنت يا رسول الله . قال : " ولا أنا إلا أن يتغمدني الله بفضله ورحمته " . وقد جُمع بين هذا الحديث و آية : { ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } النحل ( 32 ) بأن العمل لا يكون معتبراً إلا إذا كان مقبولاً وقبوله بمحض الفضل فصح أن دخول الجنة بمحض فضل الله وأن العمل سبب ظاهري متوقَّف عليه . والله تعالى يوفقنا لما فيه رضاه .
( 2 ) إرادتُكَ التجريدَ مع إقامةِ الله إِيَّاكَ في الأسباب من الشَّهوة الخفيةِ وإرادتُكَ الأسبابَ مع إقامةِ الله إِيَّاكَ في التجريد انحطاطٌ عن الهِمَّةِ العَلَيَّةِ .
يعني أن عزمك - أيها المريد - على التجرد أي لتخلص من الأسباب التي أقامك الله فيها كطلب الرزق الحلال والاشتغال بالعلم الظاهر من الشهوة الخفية . أما كونها من الشهوة فلعدم وقوفك مع مراد مولاك وأما كونها خفية فلكونك لم تقصد بذلك حظ نفسك في العاجل بل التقرّب بالتجرد لمن خلقك وسوَّاك فقد زينت لك النفس بالدسيسة الخفية الخروج عن الأسباب التي أقامك فيها العزيز الوهاب