( 59 ) قطع السائرين له والواصلين إليه عن رؤية أعمالهم وشهود أحوالهم أما السائرون فلأنهم لم يتحققوا الصدق مع الله فيها . وأما الواصلون فلأنه غيبهم بشهوده عنها .
يعني أن الله تعالى حجب السائرين له عن رؤية أعمالهم ومنع الواصلين إليه عن شهود أحوالهم . فهو لف ونشر مرتب . وخص الواصلين بالأحوال وإن كانت لهم أعمال لأن تلك الأحوال التي هي الأعمال الباطنة الصالحة أفضل من الأعمال الظاهرة فعبر في جانبهم بالأفضل . كما أنه عبر في جانب السائرين بالأعمال وإن كانت لهم أحوال أيضاً لمناسبة ذلك لهم فالسائر إلى الله لا يرى شيئاً من أعماله اتهاماً لنفسه بعدم كماله . والواصل غائب في شهوده حتى عن نفسه فإنه محال أن يراه ويشهد معه سواه . فقد أسبغ الله نعمته على الفريقين وأعطى الفريق الثاني أفضل المنزلتين .
( 60 ) ما بسقت أغصان ذل إلا على بذر الطمع .
يقال : بسقت النخلة إذا طالت . قال تعالى : { وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ } ( 10 ) ق والأغصان جمع غصن وهو ما تشعب عن سوق الشجر . وقد شبه هنا الذل بشجرة على طريق الاستعارة المكنية وأثبت لها الأغصان تخييلاً وبسقت ترشيح . وإضافة بذر إلى طمع من إضافة المشبه به للمشبه أي طمع شبيه بالبذر أي المبذور الذي تنشأ عنه الشجرة . والمراد لا تغرس بذر الطمع في قلبك فتخرج شجرة من الذل وتتشعب أغصانها . فإن الطمع أصل جميع الآفات لأنه موجب للوقوع في عظيم المهلكات فلا يزال صاحبه يتملق إلى