وكذلك إرادتك الأسباب الشاغلة عن الله الكريم مع إقامته إياك في التجريد ورزقك من حيث لا تحتسب بفضله العميم انحطاطٌ عن الهمة العلية لأن ذلك رجوع من الحق إلى الخلق وهي رتبة دنية . فالزم - أيها المريد - ما رضيه لك العزيز الحميد . فإنَّ ما أدخلك الله فيه تولى إعانتك عليه وما دخلت فيه بنفسك وكلك إليه { وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا } ( 80 ) الإسراء . فالمدخل الصدق أن تدخل فيه لا بنفسك والمخرج الصدق أن تخرج لا بنفسك بل بربك . { وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } ( 101 ) آل عمران .
فكن حيث أقامك الله ذو الفضل العظيم . وعلامة الإقامة حصول الاستقامة وتيسير الأسباب من الكريم الوهاب .
( 3 ) سَوابِقُ الهِمَمِ لا تَخْرِقُ أَسْوارَ الأَقْدَارِ .
هذه الحكمة كالتعليل لما قبلها وتوطئة لما بعدها . يعني أن ما قدره الله في الأزل لا تَخْرِقُ أسوارَه المحيطة به - فضلاَ عن أن تصل إليه - سوابقُ الهمم أي لهمم السوابق وهي قوى النفس التي تنفعل عنها الأشياء بإرادة الله تعالى وتكون للولي كرامة ولغيره كالساحر والعائن إهانة . وفيه تشبيه الأقدار بمدينة لها أسوار في الصيانة والحفظ على سبيل المكنية . أي جب عليك - أيها المريد - أن تعتقد أن الهمم أسباب عادية لا تأثير لها وما ينشأ عنها إنما هو بقضاء الله تعالى وقدره فيكون عندها لا بها . فإرادتك خلاف ما أراده مولاك لا تجدي نفعاً ولا تأثيراً لها في الحقيقة حتى تظن أنها توجب لك رفعاً .
( 4 ) أرِحْ نَفْسَكَ مِنَ التَّدْبِيرِ فما قامَ بهِ غيرُكَ عنْكَ لا تَقُم بهِ لنفسِكَ .
يعني : أرح نفسك من تعب التدبير المنافي للعبودية بأن تقول : لولا