تلد لك غلاما وتدعو اسمه اسحق إلى مثل هذا الحين من قابل وأوثقه ميثاقي إلى الدهر ولخلفه من بعده وقد استجبت لك في اسماعيل وباركت عليه وكبرته ونميته جدا كثيرا ويولد له اثنا عشر عظيما وأجعله رئيسا لشعب عظيم وقد تكلمنا على هذا بما تقدم والله أعلم فقوله تعالى فبشرناها باسحق ومن وراء اسحق يعقوب دليل على أنها تستمتع بوجود ولدها اسحق ثم من بعده بولد ولده يعقوب أي يولد في حياتهما لتقر أعينهما به كما قرت بولده ولو لم يرد هذا لم يكن لذكر يعقوب وتخصيص التنصيص عليه من دون سائر نسل اسحق فائدة ولما عين بالذكر دل على أنهم يتمتعان به ويسران بولده كما سرا بمولد أبيه من قبله وقال تعالى ووهبنا له اسحق ويعقوب كلا هدينا وقال تعالى فلما اعتزلهم وما يعبدون من دون الله وهبنا له اسحق ويعقوب وهذا إن شاء الله ظاهر قوي ويؤيده ما ثبت في الصحيحين من حديث سليمان بن مرهان الأعمش عن إبراهيم بن يزيد التيمي عن أبيه عن أبي ذر قال قلت يا رسول الله أي مسجد وضع أول قال المسجد الحرام قلت ثم أي قال المسجد الأقصى قلت كم بينهما قال أربعون سنة قلت ثم أي قال ثم حيث أدركت الصلاة فصل فكلها مسجد وعند أهل الكتاب أن يعقوب عليه السلام هو الذي أسس المسجد الأقصى وهو مسجد ايليا بيت المقدس شرفه الله وهذا متجه ويشهد له ما ذكرناه من الحديث فعلى هذا يكون بناء يعقوب وهو اسرائيل عليه السلام بعد بناء الخليل وابنه اسماعيل المسجد الحرام بأربعين سنة سواء وقد كان بناؤهما ذلك بعد وجود اسحق لأن إبراهيم عليه السلام لما دعا قال في دعائه كما قال تعالى وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمنا واجنبني وبني أن نعبد الأصنام رب إنهن أضللن كثيرا من الناس فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون ربنا إنك تعلم ما نخفي وما نعلن وما يخفى على الله من شيء في الأرض ولا في السماء الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل واسحق إن ربي لسميع الدعاء رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي ربنا وتقبل دعاء ربنا اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب وما جاء في الحديث من أن سليمان بن داود عليهما السلام لما بنى بيت المقدس سأل الله خلالا ثلاثا كما ذكرناه عند قوله رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي وكما سنورده في قصته فالمراد من ذلك والله أعلم أنه جدد بناءه كما تقدم من أن بينهما أربعين سنة ولم يقل أحد إن بين سليمان وإبراهيم أربعين سنة سوى ابن حبان في تقاسيمه وأنواع وهذا القول لم يوافق عليه ولا سبق إليه