العرب وعونهم وجدهم قطع الله به الفتنة وملكه على العباد وفتح به البلاد الا إنه قد مات وهذه أكفانه فنحن مدرجوه فيها ومدخلوه قبره ومخلون بينه وبين عمله ثم هول البرزخ إلى يوم القيامة فمن كان منكم يريد أن يشهده فليحضر عند الأولى ثم نزل وبعث البريد إلى يزيد بن معاوية يعلمه ويستحثه على المجى .
ولا خلاف أنه توفى بدمشق فى رجب سنة ستين فقال جماعة ليلة الخميس للنصف من رجب سنة ستين وقيل ليلة الخميس لثمان بقين من رجب سنة ستين قاله ابن إسحاق وغير واحد وقيل لأربع خلت من رجب قاله الليث وقال سعد بن إبراهيم لمستهل رجب قال محمد بن إسحاق والشافعى صلى عليه ابنه يزيد وقد ورد من غير وجه أنه أوصى إليه أن يكفن فى ثوب رسول الله A الذى كساه إياه وكان مدخرا عنده لهذا اليوم وأن يجعل ما عنده من شعره وقلامة أظفاره فى فمه وأنفه وعينيه وأذنيه وقال آخرون بل كان ابنه يزيد غائبا فصلى عليه الضحاك بن قيس بعد صلاة الظهر بمسجد دمشق ثم دفن فقيل بدار الامارة وهى الخضراء وقيل بمقابر باب الصغير وعليه الجمهور فالله أعلم وكان عمره إذ ذاك ثمانيا وسبعين سنة وقيل جاوز الثمانين وهو الأشهر والله أعلم ثم ركب الضحاك بن قيس فى جيش وخرج ليتلقى يزيد بن معاوية وكان يزيد بحوارين فلما وصلوا إلى ثنية العقاب تلقتهم أثقال يزيد وغذا يزيد راكب على بختى وعليه الحزن ظاهر فسلم عليه الناس بالإمارة وعزوه فى أبيه وهو يخفض صوته فى رده عليهم والناس صامتون لا يتكلم معه إلا الضحاك بن قيس فانتهى إلى باب توما فظن الناس أنه يدخل منه إلى المدينة فأجازه مع السور حتى انتهى إلى الباب الشرقى فقيل يدخل منه لأنه باب خالد فجازه حتى أتى الباب الصغير فعرف الناس أنه قاصد قبر أبيه فلما وصل إلى باب الصغير ترجل عند القبر ثم دخل فصلى على أبيه بعد ما دفن ثم انفتل فلما خرج من المقبرة أتى بمراكب الخلافة فركب .
ثم دخل البلد وامر فنودى فى الناس إن الصلاة جامعة ودخل الخضراء فاغتسل ولبس ثيابا حسنة ثم خرج فخطب الناس أول خطبة خطبها وهو أمير المؤمنين فقال بعد حمد الله والثناء عليه أيها الناس إن معاوية كان عبدا من عبيد الله أنعم الله عليه ثم قبضه إليه وهو خير ممن بعده ودون من قبله ولا أزكيه على الله D فانه أعلم به إن عفى عنه فبرحمته وإن عاقبه فبذنبه وقد وليت الأمر من بعده ولست آسى على طلب ولا أعتذر من تفريط وإذا أراد الله شيئا كان وقال لهم فى خطبته هذه وإن معاوية كان يغزيكم فى البحر وإنى لست حاملا أحدا من المسلمين فى البحر وإن معاوية كان يشتيكم بأرض الروم ولست مشتيا أحدا بأرض الروم وإن معاوية كان يخرج لكم العطاء أثلاثا وأنا أجمعه لكم كله قال فافترق الناس عنه وهم لا يفضلون