المنصور كان قد غضب على خالد بن برمك وألزمه يحمل ثلاثة آلآف ألف فضاق ذرعا بذلك ولم يبق له مالا ولا حال وعجز عن أكثرها وقد أجله ثلاثة أيام وأن يحمل ذلك في هذه الثلاثة أيام وإلا فدمه هدر فجعل يرسل ابنه يحيى إلى أصحابه من الأمراء يستقرض منهم فكان منهم من أعطاه مائة ألف ومنهم أقل وأكثر قال يحيى بن خالد فبينا أنا ذات يوم من تلك الايام الثلاثه على جسر بغداد وأنا مهموم في تحصيل ما طلب منا مما لا طاقة لنا به إذوثب إلى زاجر من اولئك الذين يكونون عند الجسر من الطرقية فقال لي أبشر فلم ألتفت إليه فتقدم حتى أخذ بلجام فرسي ثم قال لي أنت مهموم ليفرجن الله همك ولتمرن غدا في هذا الموضع واللواء بين يديك فان كان ما قلت لك حقا عليك خمسة ألاف فقلت نعم ولو قال خمسون الفا لقلت نعم لبعد ذلك عندي وذهبت لشأني وقد بقي علينا من الحمل ثلاثمائة ألف فورد الخبر إلى المنصور بانتقاض الموصل وانتشار الاكراد فيها فأشار المنصور الأمراء من يصلح للموصل فأشار بعضهم بخالد بن برمك فقال له المنصور أويصلح لذلك بعد ما فعلنا به فقال نعم وأنا الضامن أنه يصلح لها فأمر بإحضاره فولاه إياها عنه بقية ما كان عليه وعقد له اللواء وولى ابنه يحيى أذربيجان وخرج الناس في خدمتهما قال يحيى فمررنا بالجسر فثار إلى ذلك الزاجر فطالبني بما وعدته به فأمرت له به فقبض خمسة الآف .
وفي هذه السنة خرج المنصور إلى الحج فساق الهدى معه فلما جاوز الكوفة بمراحل أخذه وجعه الذي مات به وكان عنده سوء مزاج فاشتد عليه من شدة الحد وركوبه في المواجر وأخذه إسهال وأفرط به فقوي مرضه ودخل مكه فتوفي بها ليلة السبت لست مضين من ذي الحجة وصلى عليه ودفن بكدا عند ثينة باب المعلاة التي بأعلا مكة وكان عمره يومئذ ثلاثا وقيل أربعا وقيل خمسا وستين وقيل إنه بلغ ثمانيا وستين والله أعلم وقد كتم الربيع الحاجب موته حتى أخذ البيعة للمهدي من القواد ورؤس بني هاشم ثم دفن وكان الذي صلى عليه إبراهيم بن يحيى بن محمد بن علي وهو الذي أقام للناس الحج في هذه السنة .
( ترجمة المنصور ) .
هو عبدالله بن محمد بن علي بن عباس بن عبدالمطلب بن هاشم أبوجعفر المنصور وكان أكبر من أخيه أبي العباس السفاح وأمه أم ولد أسمها سلامة وروى عن جده عن ابن عباس ( أن رسول الله A كان يتختم في يمينه ) أورده ابن عساكر من طريق محمد بن إبراهيم السلمى عن المأمون عن الرشيد عن المهدي عن أبيه المنصور به بويع له بالخلافة بعد أخيه في ذي الحجة سنة ست وثلاثين ومائة وعمره يومئذ إحدى وأربعون سنة أنه ولد سنة خمس وتسعين