المجيء إليه حتى يأتي إليها المأمون بنفسه فأنشأ المأمون يقول ... بعثتك مشتاقا ففزت بنظرة ... وأغفلتني حتى أسأت بك الظنا ... فناجيت من أهوى وكنت مباعدا ... فياليت شعري عن دنوك ما أغنى ... ورددت طرفا في محاسن وجهها ... ومتعت باستسماع نغمتها أذنا ... أرى أثرا منه بعينيك بينا ... لقد سرقت عيناك من عينها حسنا ... .
ولما ابتدع المأمون ما ابتدع من التشيع والاعقرال فرح بذلك بشر المريسي وكان بشر هذا شيخ المأمون فانشأ يقول ... قد قال مأموننا وسيدنا ... قولا له في الكتب تصديق ... إن عليا أعني أبا حسن ... أفضل من قد أقلت النوق ... بعد نبي الهدى وإن لنا ... أعمالنا والقرآن مخلوق ... .
فأجابه بعض الشعراء من أهل السنة ... يا أيها الناس لا قول ولا عمل ... لمن يقول كلام الله مخلوق ... ما قال ذاك أبو بكر وعمر ... ولا النبي ولم يذكره صديق ... ولم يقل ذاك إلا كل مبتدع ... على الرسول وعند الله زنديق ... بشر أراد به إمحاق دينهم ... لأن دينهم والله ممحوق ... ياقوم أصبح عقل من خليفتكم ... مقيدا وهو في الاغلال موثوق ... .
وقد سأل بشر بن المأمون أن يطلب قائل هذا فيؤدبه على ذلك فقال ويحك لو كان فقيها لأدبته ولكنه شاعر فلست أعرض له ولما تجهز المأمون للغزو في آخر سفرة سافرها إلى طرسوس استدعى بجارية كان يحبها وقد اشتراها في آخر عمره فضمها إليه فبكت الجارية وقالت قتلتني يا أمير المؤمنين بسفرك ثم أنشأت تقول ... سأدعوك دعوة المضطر ربا ... يثيب على الدعاء ويستجيب ... لعل الله أن يكفيك حربا ... ويجمعنا كما تهوى القلوب ... .
فضمها إليه وأنشأ يقول متمثلا .
... فيا حسنها إذ يغسل الدمع كحلها ... وإذ هي تذري الدمع منها الأنامل ... صبيحة قالت في العتاب قتلتني ... وقتلي بما قالت هناك تحاول ... .
ثم أمر مسرورا الخادم بالاحسان إليها والاحتفاط عليها حتى يرجع ثم قال نحن كما قال الأخطل ... قوم إذا حاربوا شدوا مآزرهم ... دون النساء ولو باتت بإطهار