الحارثي البصري ولقب سيبويه لجماله وحمرة وجنتيه حتى كانتا كالتفاحتين وسيبويه في لغة فارس رائحة التفاح وهو الإمام العلامة العلم شيخ النحاة من لدن زمانه إلى زماننا هذا والناس عيال على كتابه المشهور في هذا الفن وقد شرح بشروح كثيرة وقل من يحيط علما به أخذ سيبويه العلم عن الخليل بن أحمد ولازمه وكان إذا قدم يقول الخليل مرحبا بزائر لا يمل وأخذ أيضا عن عيسى بن عمر ويونس بن حبيب وأبي زيد الأنصاري وأبي الخطاب الأخفش الكبير وغيرهم قدم من البصرة إلى بغداد أيام كان الكسائي يؤدب الأمين بن الرشيد فجمع بينهما فتناظرا في شيء من مسائل النحو فانتهى الكلام إلى أن قال الكسائي تقول العرب كنت أظن الزنبور أشد لسعا من النحلة فإذا هو إياها فقال سيبويه بيني وبين أعرابي لم يشبه شيء من الناس المولد وكان الأمين يحب نصرة أستاذه فسأل رجلا من الأعراب فنطق بما قال سيبويه فكره الأمين ذلك وقال له إن الكسائي يقول خلافك فقال إن لساني لا يطاوعني على ما يقول فقال أحب أن تحضر وأن تصوب كلام الكسائي فطاوعه على ذلك وانفصل المجلس عن قول الأعرابي إذا الكسائي أصاب فحمل سيبويه على نفسه وعرف أنهم تعصبوا عليه ورحل عن بغداد فمات ببلاد شيراز في قرية يقال لها البيضاء وقيل إنه ولد بهذه وتوفي بمدينة سارة في هذه السنة وقيل سنة سبع وسبعين وقيل ثمان وثمانين وقيل إحدى وتسعين وقيل أربع وتسعين ومائة فالله أعلم وقد ينف على الأربعين وقيل بل إنما عمر ثنتين وثلاثين سنة فالله أعلم قرأ بعضهم على قبره هذه الأبيات ... ذهب الأحبة بعد طول تزاور ... ونأى المزار فأسلموك وأقشعوا ... تركوك أوحش ما تكون بقفرة ... لم يؤنسوك وكربة لم يدفعوا ... قضى القضاء وصرت صاحب حفرة ... عنك الأحبة أعرضوا وتصدعوا ... .
ثم دخلت سنة إحدى وثمانين ومائتين .
فيها دخل المسلمون بلاد الروم فغنموا وسلموا وفيها تكامل غور المياه ببلاد الرى وطبرستان وفيها غلت الأسعار جدا وجهد الناس حتى أكل بعضهم بعضا فكان الرجل يأكل ابنه وابنته فإنا لله وإنا إليه راجعون وفيها حاصر المعتضد قلعة ماردين وكانت بيد حمدان بن حمدون ففتحها قسرا وأخذ ما كان فيها ثم أمر بتخريبها فهدمت وفيها وصلت قطر الندى بنت خمارويه سلطان الديار المصرية إلى بغداد في تجمل عظيم ومعها من الجهاز شيء كثير حتى قيل إنه كان في الجهاز مائة هاون من ذهب غير الفضة وما يتبع ذلك من القماش وغير ذلك مما لا يحصى ثم بعد كل حساب أرسل معها