عنهم أوقف ابن مسلمة الخطيب على هذا الكتاب فقال هذا كذب فقال له وما الدليل على كذبه فقال لأن فيه شهادة معاوية بن أبي سفيان ولم يكن أسلم يوم خيبر وقد كانت خيبر في سنة سبع من الهجرة وإنما أسلم معاوية يوم الفتح وفيه شهادة سعد بن معاذ وقد مات قبل خيبر عام الخندق سنة خمس فأعجب الناس ذلك وقد سبق الخطيب إلى هذا النقل سبقه محمد بن جرير كما ذكرت ذلك في مصنف مفرد ولما وقعت فتنة البساسيري ببغداد سنة خمسين خرج الخطيب إلى الشام فأقام بدمشق بالمأذنة الشرقية من جامعها وكان يقرأ على الناس الحديث وكان جهوري الصوت يسمع صوته من أرجاء الجامع كلها فاتفق أنه قرأ على الناس يوما فضائل العباس فثار عليه الروافض من أتباع الفاطميين فأرادوا قتله فتشفع بالشريف الزينبي فأجاره وكان مسكنه بدار العقبقي ثم خرج من دمشق فاقام بمدينة صور فكتب شيئا كثيرا من مصنفات أبي عبدالله الصوري بخطه كان يستعيرها من زوجتة فلم يزل مقيما بالشام إلى سنة ثنتين وستين ثم عاد إلى بغداد فحدث بأشياء من مسموعاته وقد كان سأل الله أن يملك ألف دينار وأن يحدث بالتاريخ بجامع المنصور فملك ألف دينار أو ما يقاربها ذهبا وحين احتضر كان عنده قريب من مائتي دينار فأوصى بها لأهل الحديث وسأل السلطان أن يمضي ذلك فإنه لا يترك وارثا فأجيب إلى ذلك وله مصنفات كثيرة مفيدة منها كتاب التاريخ وكتاب الكفاية والجامع وشرف أصحاب الحديث والمتفق والمفترق والسابق واللاحق وتلخيص المتشابه في الرسم وفضل الوصل ورواية الآباء عن الأبناء ورواية الصحابة عن التابعين واقتضاء العلم للعمل والفقيه والمتفقه وغير ذلك وقد سردها ابن الجوزي في المنتظم قال ويقال إن هذه المصنفات أكثرها لأبي عبدالله الصوري أو ابتدأها فتممها الخطيب وجعلها لنفسه وقد كان الخطيب حسن القراءة فصيح اللفظ عارفا بالأدب يقول الشعر وكان أولا يتكلم على مذهب الإمام أحمد بن حنبل فانتقل عنه إلى مذهب الشافعي ثم صار يتكلم في أصحاب أحمد ويقدح فيهم ما أمكنه وله دسائس عجيبة في ذمهم ثم شرع ابن الجوزي ينتصر لأصحاب أحمد ويذكر مثالب الخطيب ودسائسه وما كان عليه من محبة الدنيا والميل إلى أهلها بما يطول ذكره وقد أورد ابن الجوزي من شعره قصيدة جيدة المطلع حسنة المنزع أولها قوله ... لعمرك ما شجاني رسم دار ... وقفت به ولا رسم المغاني ... ولا أثر الخيام اراق دمعي ... لأجل تذكري عهد الغواني ... ولا ملك الهوى يوما قيادي ... ولا عاصيته فثنى عناني ... ولم اطعمه في وكم قتيل ... له في الناس ما تحصى دعاني