أمسكه بعد ثلاثة أيام وبعثه إلى قعلة صفد واحتاط على حواصله ورسم على أستاذ داره بدر الدين بكداش وجرى مالا يليق وقوعه هنالك إذ الوقت وقت عسر وضيق وحصار وصمم السلطان على الحصار فرتب الكوسات ثلثمائة حمل ثم زحف يوم الجمعة سابع عشر جمادي الاولى ودقت الكوسات جملة واحدة عند طلوع الشمس وطلع المسلمون على الاسوار مع طلوع الشمس ونصبت السناجق الاسلامية فوق أسوار البلد فولت الفرنج عند ذلك الادبار وركبوا هاربين في مراكب التجار وقتل منهم عدد لا بعمله إلا الله تعالى وغنموا من الامتعة والرقيق والبضائع شيئا كثيرا جدا وأمر السلطان بهدمها وتخريبها بحيث لا ينتفع بها بعد ذلك فيسر الله فتحها نهار جمعة كما اخذتها الفرنج من المسلمين في يوم الجمعة وسلمت صور وصيدا قيادتهما إلى الاشرف فاستوثق الساحل للمسلمين وتنظف من الكافرين وقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين .
وجاءت البطاقة إلى دمشق بذلك ففرح المسلمون ودقت البشار في سائر الحصون وزينت البلاد لينتزه فيها الناظرون ولمتفرجون وأرسل السلطان إلى صور أميرا فهدم أسوارها وعفا آثارها وقدكان لها في أيدي الفرنج من سنة ثمان عشرة وخمسمائة وأما عكا فقد كان الملك الناصر يوسف بن أيوب أخذها من أيدي الفرنج ثم إن الفرنج جاؤا فأحاطوا بها بجيوش كثيرة ثم جاء صلاح الدين ليمانعهم عنها مدة سبعة وثلاثين شهرا ثم آخر ذلك استملكوها وقتلوا من كان فيها من المسلمين كما تقدم ذلك .
ثم إن السلطان الملك الاشرف خليل بن المنصور قلاوون سار من عكا قاصدا دمشق في أبهة الملك وحرمة وافرة وفي صحبته وزيره ابن السلعوس والجيوش المنصورة وفي هذا اليوم استناب بالشام الامير علم الدين سنجر الشجاعي وسكن بدار السعادة وزيد في إقطاعه حرستا ولم تقطع لغيره وإنما كانت لمصالح حواصل القعلة وجعل له في كل يوم ثلثمائة على دار الطعام وفوض إليه أن يطلق من الخزانة ما يريد من غير مشاورة ولا مراجعة وأرسله السلطان إلى صيدا لأنه كان قد بقي بها برج عصى ففتحه ودقت البشائر بسببه ثم عاد سريعا إلى السلطان فودعه وسار السلطان نحو الديار المصرية في أواخر رجب وبعثه إلى بيروت ليفتحها فسار إليها ففتحها في أقرب وقت وسلمت عثلية وانطرطوس وجبيل ولم يبق بالسواحل ولله الحمد معقل للفرنج إلا بأيدي المسلمين وأراح الله منهم البلاد والعباد ودخل السلطان إلى القاهرة في تاسع شعبان في أبهة عظيمة جدا وكان يوما مشهودا وأفرج عن بدر الدين بيسرى بعد سجن سبع سنين ورجع علم الدين سنجر الشجاعي نائب دمشق إلى دمشق في سابع عشرين الشهر المذكور وقد نظف السواحل من الفرنج بالكلية ولم يبق لهم بها حجر وفي رابع رمضان أفرج عن حسام الدين لاجين من قلعة صفد ومعه جماعة