قد تقدم في ذكر الأحاديث الواردة في خلق آدم أن الله لما استخرج ذريته من ظهره فرأى فيهم الأنبياء عليهم السلام ورأى فيهم رجلا يزهر فقال : أي رب من هذا ؟ قال : هذا ابنك داود قال : أي رب كم عمره ؟ قال : ستون عاما قال : أي رب زد في عمره قال : لا إلا أن أزيده من عمرك وكان عمر آدم ألف عام فزاده أربعين عاما فلما انقضى عمر آد جاءه ملك الموت فقال : بقي من عمري أربعون سنة ونسي آدم ما كان وهبه لولده داود فأتمها الله لآدم ألف سنة ولداود مائة سنة .
رواه أحمد عن ابن عباس و الترمذي وصححه عن أبي هريرة وابن خزيمة وابن حبان وقال الحاكم : على شرط مسلم وقد تقدم ذكر طرقه وألفاظه في قصة آدم .
قال ابن جرير وقد زعم أهل الكتاب أن عمر داود كان سبعا وسبعين سنة قلت : هذا غلط مردود عليهم قالوا ؟ وكانت مدة ملكه أربعين سنة وهذا قد نقله لأنه ليس عندنا ما ينافيه ولم لا ما يقتضيه .
وأما وفاته عليه السلام فقال الإمام أحمد في مسنده : حدثنا قبيصة حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن بن محمد بن عمرو بن أبي عمرو عن المطلب عن أبي هريرة أن رسول الله ( A ) قال : كان داود عليه السلام فيه غيرة شديدة فكان إذا خرج أغلق الأبواب فلم يدخل على أهله أحد حتى يرجع قال : فخرج ذات يوم وغلقت الدار فأقبلت امرأته تطلع إلى الدار فإذا رجل قائم وسط الدار فقالت لمن في البيت : من أين دخل هذا الرجل والدار مغلقة والله لنفضحن بداود فجاء داود فإذا الرجل قائم في وسط الدار فقال له داود : من أنت ؟ فقال : أنا الذي لا أهاب الملوك ولا أمنع من الحجاب فقال داود : أنت والله إذن ملك الموت مرحبا بأمر الله : ثم مكث حتى قبضت روحه فلما غسل وكفن وفرغ من شأنه طلعت عليه الشمس فقال سليمان للطير : أظلي على داود فأظلته الطير حتى أظلمت عليه الأرض فقال سليمان للطير : اقبضي جناحا قال أبو هريرة : فطفق رسول الله ( A ) يرينا كيف فعلت الطير وقبض رسول الله ( A ) بيده وغلبت عليه يومئذ المضرحية .
انفرد بإخراجه الإمام أحمد وإسناده جيد قوي رجاله ثقات ومعنى قوله : وغلبت عليه يومئذ المضرحية أي وغلبت على التظليل عليه المضرحية وهي الصقوع الطوال الأجنحة واحدها مضرحي قال الجوهري : هو الصقر الطويل الجناح .
وقال السدي عن أبي مالك عن ابن مالك عن ابن عباس قال مات داود عليه السلام فجاء وكان بسبت وكانت الطير تظله وقال السدي أيضا عن أبي مالك وعن سعيد بن جبير قال : مات داود عليه السلام يوم السبت فجأة .
وقال إسحاق بن بشر عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن ألحسن قال : مات داود عليه السلام وهو ابن مائة سنة ومات يوم الأربعاء فجأة وقال أبو السكن الهجري : مات إبراهيم الخليل فجأة وداود فجأة وابنه سليمان فجأة صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين رواه ابن عساكر .
وروى عن بعضهم أن ملك الموت جاءه وهو نازل من محرابه فقال له : دعني أنزل أو أصعد فقال : يا نبي الله قد نفدت السنون والشهور والآرثار والأرزاق قال : فخر ساجدا على مرقاة من تلك المراقي فقبضه وهو ساجد .
وقال إسحاق بن بشر : أنبأنا وافر بن سليمان عن أبي سلمان الفلسطيني عن وهب بن منبه قال : إن الناس حضروا جنازة داود عليه السلام فجلسوا في الشمس في يوم صائف قال : وكان قد شيع جنازته يومئذ أربعون ألف راهب عليهم البرانس سوى غيرهم من الناس ولم يمت في بني إسرائيل بعد موسى وهارون أحد كانت بنو إسرائيل أشد جزعا عليه منهم على داود قال : فآذاهم الحر فنادوا سليمان عليه السلام أن يعمل لهم وقاية لما أصابهم من الحر فخرج سليمان فنادى الطير فأجابت فأمرها أن تظل الناس فتراص بعضها إلى بعض من كل وجه حتى استمسكت الريح فكاد الناس أن يهلكوا غما فصاحوا إلى سليمان عليه السلام من الغم فخرج سليمان فنادى الطير أن أظلي الناس من ناحية الشمس وتنحي عن ناحي الريح ففعلت فكان الناس في ظل تهب عليهم الريح فكان ذلك أول ما رأواه من ملك سليمان .
وقال الحافظ أبو يعلى : حدثنا أبو همام الوليد بن شجاع حدثني الوليد بن مسلم عن الهيثم بن حميد عن الوضين بن عطاء عن نصر بن علقمة عن جبير بن نفير عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله ( A ) : [ لقد قبض الله داود من بين أصحابه ما فتنوا ولا بدلوا ولقد مكث أصحاب المسيح على سننه وهديه مائتي سنة ] .
هذا حديث غريب وفي رفعه نظر والوضين بن عطاء كان ضعيفا في الحديث والله أعلم