وقال تعالى في سورة ص : { ووهبنا لداود سليمان نعم العبد إنه أواب * إذ عرض عليه بالعشي الصافنات الجياد * فقال إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي حتى توارت بالحجاب * ردوها علي فطفق مسحا بالسوق والأعناق * ولقد فتنا سليمان وألقينا على كرسيه جسدا ثم أناب * قال رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت الوهاب * فسخرنا له الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب * والشياطين كل بناء وغواص * وآخرين مقرنين في الأصفاد * هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب * وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب } .
يذكر تعالى أنه وهب لداود سليمان عليهما السلام ثم أثنى الله تعالى عليه فقال : { نعم العبد إنه أواب } أي رجاع مطيع لله ثم ذكر تعالى ما كان من أمره في الخيل الصافنات وهي التي تقف على ثلاثة وطرف حافر الرابعة الجياد وهي المضمرة السراع .
{ فقال إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي حتى توارت بالحجاب } يعني الشمس وقيل الخيل على ما سنذكره من القولين { ردوها علي فطفق مسحا بالسوق والأعناق } قيل مسح عراقيبها وأعناقها بالسيوف وقيل مسح عنها العرق لما أجراها وسابق بينها بين يديه على القول الآخر .
والذي عليه أكثر السلف الأول فقالوا اشتغل بعرض تلك الخيول حتى خرج وقت العصر وغربت الشمس وروى هذا عن علي بن أبي طالب وغيره والذي يقطع به أنه لم يترك الصلاة عمدا من غير عذر اللهم إلا أن يقال إنه كان سائغا في شريعتهم فأخر الصلاة لأجل أسباب الجهاد وعرض الخيل من ذلك .
وقد ادعي طائفة من العلماء في تأخير النبي ( A ) صلاة العصر يوم الخندق أن هذا كان مشروعا إذ ذاك حتى نسخ بصلاة الخوف قاله الشافعي وغيره وقال مكحول و الأوزاعي : بل هو حكم محكم إلى اليوم أنه يجوز تأخيرها بعذر القتال الشديد كما ذكرنا تقرير ذلك في سورة النساء عند صلاة الخوف وقال آخرون : بل كان تأخير النبي ( A ) صلاة العصر يوم الخندق نسيانا وعلى هذا فيحمل فعل سليمان عليه السلام على هذا والله أعلم .
وأما من قال : الضمير في قوله : { حتى توارت بالحجاب } عائد على الخيل وأنه لم تنته وقت صلاة وأن المراد بقوله : { ردوها علي فطفق مسحا بالسوق والأعناق } يعني مسح العرق عن عراقيبها وأعناقها فهذا القول اختاره ابن جرير ورواه الوالبي عن ابن عباس في مسح العرق ووجه هذا القول ابن جرير بأنه ما كان ليعذب الحيوان بالعرقبة ويهلك مالا بلا سبب ولا ذنب لها وهذا الذي قاله فيه نظ لأنه قد يكون هذا سائغا في ملتهم وقد ذهب بعض علمائنا إلى أنه إذا خاف المسلمون أن يظفر الكفار على شيء من الحيوانات من أغنام ونحوها جاز ذبحها وإهلاكها لئلا يتقووا بها وعليه حمل صنيع جعفر بن أبي طالب يوم عقر فرسه بمؤتة وقد قيل إنها كانت خيلا عظيمة قيل كانت عرة آلاف فرس وقيل كانت عشرين ألف فرس وقيل كان فيها عشرون فرسا من ذوات الأجنحة .
وقد روي أبو داود في سننه : حدثنا محمد بن عوف حدثنا سعيد بن أبي مريم أنبأنا يحيى ابن أيوب حدثني عمارة بن غزية أن محد بن إبراهيم حدثه عن محمد بن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة قالت : قدم رسول الله ( A ) من غزوة تبوك أو خيبر وفي سهوتها ستر فهبت الريح فكشفت ناحية الستر من بنات لعائشة لعب فقال : [ ما هذا يا عائشة ؟ فقالت : بناتي ورأى بينهن فرسا له جناحان من رقاع فقال : " ما هذا الذي أرى وسطهن " ؟ قالت : فرس قال : " وما الذي عليه هذا " ؟ قالت : حناحان قال : " فرس له جناحان " ؟ قالت : أما سمعت أن لسليمان خيلا لها أجنحة ؟ ] قالت : فضحك حتى رايت نواجذه ( A ) .
قال بعض العلماء : لما ترك الخيل لله عوضه الله عنها بما هو خير له منها وهو الريح التي كانت غدوها شهر ورواحها شهر كما سيأتي الكلام عليها .
كما قال الإمام أحمد : حدثنا إسماعيل حدثنا سليمان بن المغيرة عن حميد بن هلال عن أبي قتادة وأبي الدهماء وكانا يكثران السفر نحو البيت قالا : أتينا على رجل من أهل البادية فقال البدوي : أخذ بيدي رسول الله ( A ) فعل يعلمني مما علمه الله D وقال : [ إنك لا تدع شيئا اتقاء الله D إلا أعطاك الله خيرا منه ] .
وقوله تعال : { ولقد فتنا سليمان وألقينا على كرسيه جسدا ثم أناب } .
ذكر ابن جرير و ابن أبي حاتم وغيرهما من المفسرين هاهنا آثارا كثيرة عن جماعة من السلف وأكثرها أو كلها متلقاة من الإسرائيليات وفي كثير منها نكارة شديدة وقد نبهنا على ذلك في كتابنا التفسير واقتصرنا هاهنا على مجرد التلاوة .
ومضمون ما ذكره أن سليمان عليه السلام غاب عن سريره أربعين يوما ثم عاد إليه ولما عاد أمر ببناء بيت المقدس فبناه بناء محكما وقد قدمنا أنه جدده وأن أول من تجعله مسجدا إسرائيل عليه السلام كما ذكرنا ذلك عند قول أبي ذر قلت : يا رسول الله أي مسجد وضع أول ؟ قال : [ المسجد الحرام قلت : ثم أي ؟ قال : " مسجد بيت المقدس " قلت : كم بينهما ؟ قال : " أربعون سنة " ] .
ومعلوم أن بين إبراهيم الذي بنى المسجد الحرام وبين سليمان بن داود عليهما السلام أزيد من ألف سنة دع أربعين سنة وكان سؤاله الملك الذي لا ينبغي لأحد من بعده بعد إكماله البيت المقدس ؟ قال الإمام أحمد و النسائي و ابن ماجه و وابن خزيمة و ابن حابن و الحاكم بأسانيدهم عن عبد الله بن فيروز الديلمي عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : قال رسول الله ( A ) : [ إن سليمان لما بنى بيت المقدس سأل ربه D خلالا ثلاثا فأعطاه اثنتين ونحن نرجو أن تكون لنا الثالثة : سأله حكما يصادف حكمه فأعطاه إياه وسأله ملكا لا ينبغي لأحد من بعده فأعطاه إياه وسأله أيما رجل خرج من بيته لا يريد إلا الصلاة في هذه المسجد خرج من خطيئته مثل يوم ولدته أمه فنحن نرجو أن يكون الله قد أعطانا إياها ] .
فأما الحكم الذي يوافق حكم الله تعالى فقد أثنى الله تعالى عليه وعلى أبيه في قوله : { وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين * ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما } وقد ذكر شريح القاضي وغير واحد من السلف أن هؤلاء القوم كان لهم كرم فنفشت فيه غنم قوم آخرين أي رعته بالليل فأكلت شجرة فأكلت فتحاكموا إلى داود عليه السلام فحكم لأصحاب الكرم بقيمته فلما خرجوا على سليمان قال : بم حكم لك نبي الله ؟ فقالوا : بكذا وكذا فقال : أما لو كنت أنا لما حكمت إلا بتسليم الغنم إلى أصحاب الكرم فيستغلونها نتاجا ودرا حتى يصلح اصحاب الغنم كرم أولئك ويردوه إلى ما كان عليه ثم يتسلموا غنمهم فبلغ داود عليه السلام ذلك فحكم به .
وقريب من هذا ما ثبت في الصحيحين من حديث أبي الزناد عن الأعراج عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ( A ) : [ بينما امرأتان معهما ابناهما إذ عدا الذئب فأخذ ابن إحداهما فتنازعتا في الآخر فقالت الكبرى : إنما ذهب بابنك وقالت الصغرى : بل إنما ذهب بابنك فتحاكمتا إلى داود فحكم به للكبرى فخرجتا على سليمان فقال : آتوني بالسكين أشقه نصفين لكل واحدة منكما نصفه فقالت الصغرى : يرحمك الله هو ابنها فقضى به لها ] .
ولعل كل من الحكمين كان سائغا في شريعتهم وكلن ما قاله سليمان أرجح ولهذا أثنى الله عليه بما ألهمه إياه بعد ذلك إياه فقال : { وكلا آتينا حكما وعلما وسخرنا مع داود الجبال يسبحن والطير وكنا فاعلين * وعلمناه صنعة لبوس لكم لتحصنكم من بأسكم فهل أنتم شاكرون } .
ثم قال : { ولسليمان الريح عاصفة } أي وسخرنا لسليمان الرحي عاصفة { تجري بأمره إلى الأرض التي باركنا فيها وكنا بكل شيء عالمين * ومن الشياطين من يغوصون له ويعملون عملا دون ذلك وكنا لهم حافظين } .
وقال في صورة ص : { فسخرنا له الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب * والشياطين كل بناء وغواص * وآخرين مقرنين في الأصفاد * هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب * وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب } .
لما ترك الخيل ابتغاء وجه الله عوضه الله منها الريح التي هي أسرع سيرا وأقوى وأعظم ولا كلفة عليه لها { تجري بأمره رخاء حيث أصاب } أي حيث أراد من أي البلاد كان له بساط مركب من أخشاب بحيث إنه يسع جميع ما يحتاج إليه من الدور المبنية والقصور الخيام والأمتعة والخيول والجمال والأثقال والرجال من الإنس والجان وغير ذلك من الحيوانات والطيور فإذا أراد سفرا أو مستنزها أو قتال ملك أو أعداء من أي بلاد الله شاء فإن حمل هذه الأمور المذكورة على البساط أمر الريح فدخلت تحته فرفعته فإذا استقل بين السماء والأرض أمر الرخاء فسارت به فإن أراد أسرع من ذلك أمر العاصفة فحملته أسرع ما يكون فوضعته في أي مكان شاء بحيث إنه كان يرتحل في أول النهار من بيت المقدس فتغدو به الريح فتضعه بإصطخر مسيرة شهر فيقيم هناك إلى آخر النهار ثم يروح من آخره فترده إلى بيت المقدس .
كما قال تعالى : { ولسليمان الريح غدوها شهر ورواحها شهر وأسلنا له عين القطر ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير * يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات اعملوا آل داود شكرا وقليل من عبادي الشكور } .
قال الحسن البصري : كان يغدو من دمشق فينزل بإصطخر فيتغدى بها ويذهب رائحا منها فيبيت بكابل وبين دمشق وبين اصطخر مسيرة شهر وبين اصطخر وكابل مسيرة شهر .
قتل : قد ذكر المتكلمون على العمران والبلدان أن اصطخر بنتها الجان لسليمان وكان فيها قرار مملكة الترك قديما وكذلك غيرها من بلدان شتى كتدمر وبيت المقدس وباب جيرون وباب البريد اللذان بدمشق على أحد الأقوال .
وأما القطر فقال ابن عباس ومجاهد وعكرمة وقتادة وغير واحد : هو النحاس قال قتادة وكانت باليمن أنبعها الله له قال السدي : ثلاثة أيام فقط أخذ منها جميع ما يحتاج إليه للبنايات وغيرها .
وقوله : { ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير } أي وسخر الله له من الجن عمالا يعملون له ما يشاء لا يفترون ولا يخرجون عن طاعته ومن خرج منهم عن الأمر عذبه ونكل به { يعملون له ما يشاء من محاريب } وهي الأماكن الحسنة وصدور المجالس { وتماثيل } وهي الصور في الجدران وكان هذا سائغا في شريعتهم وملتهم { وجفان كالجواب } قال ابن عباس : الجفنة كالجوبة من الأرض وعنه كالحياض وكذا قال مجاهد والحسن وقتادة والضحاك وغيرهم وعلى هذه الرواية يكون الجواب جمع جابية وهي الحوض الذي يجبى فيه الماء قال الأعشى : .
( تروح على آل المحلق جفنة ... كجابية الشيخ العراقي تفهق ) .
وأما القدور الراسيات فقال عكرمة : أثافيها منها يعني أنهن ثوابت لا يزلن عن أماكنهن وهكذا قال مجاهد وغير واحد ولما كان هذا بصدد إطعام الطعام والإحسان إلى الخلق من إنسان وحيوان قال تعالى : { اعملوا آل داود شكرا وقليل من عبادي الشكور } .
وقال تعالى : { والشياطين كل بناء وغواص * وآخرين مقرنين في الأصفاد } أي قد عصوا فقيدوا مقرنين اثنين اثنين في الأصفاد وهي القيود وهذا كله من جملة ما هيأه الله وسخر له من الأشياء التي هي من تمام الملك الذي لا ينبغي لأحد من بعده ولم يكن أيضا لمن كان قبله .
وقد قال البخاري : حدثنا محمد بن بشار حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن محمد بن زياد عن أبي هريرة عن النبي ( A ) قال : [ إن عفريتا من الجن تفلت علي البارحة ليقطع علي صلاتي فأمكنني الله منه فأخذته فأردت أن أربطه إلى سارية من سواري المسجد حتى تنظروا إليه كلكم فذكرت دعوة أخي سليمان : { رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي } فردته خاسئا ] .
وكذا رواه مسلم و النسائي من حديث شعبة .
وقال مسلم : حدثنا محمد بن سلمة المرادي حدثنا عبد الله بن وهب عن معاوية بن صالح حدثني ربيعة بن يزيد عن أبي إدريس يصلي فسمعناه يقول : [ أعوذ بالله من ك ألعتك بلعنة الله ] ثلاثا وبسط يده كأنه يتناول شيئا فلما فرغ من الصلاة قلنا : يا رسول الله قد سمعناك تقول في الصلاة شيئا لم نسمعك تقوله قبل ذلك ورأيناك بسطت يدك قال : [ إن عدو الله إبليس جاء بشهاب من نار ليجعله في وجهي فقلت : أعوذ بالله منك ثلاث مرات ثم قلت : ألعنك بلعنة الله التامة فلم يستأخر ثلاث مرات ثم أردت أخذه والله لولا دعوة أخينا سليمان لأصبح موثقا يلعب به ولدان أهل المدينة ] .
وكذا رواه النسائي عن محمد بن سلمة به .
وقال أحمد : حدثنا أبو أحمد حدثنا مرة بن معبد حدثنا أبو عبيد حاجب سليمان قال : رأيت عطاء بن يزيد الليثي قائما يصلي فذهبت أمر بين يديه فردني ثم قال : حدثني أبو سعيد الخدري أن رسول الله ( A ) قام فصلى صلاة الصبح وهو خلفه فقرأ فالتبست عليه القراءة فلما فرغ من صلاته قال : [ لو رأيتموني وإبليس فأهويت بيدي فما زلت أخنفه حتى وجدت برد لعابه بين أصبعي هاتين الإبهام والتي تليها ولولا دعوة أخي سليمان لأصبح مربوطا بسارية من سواري المسجد يتلاعب به صبيان المدينة فمن استطاع منك ألا يحول بينه وبين القبلة أحد فليفعل ] .
روى أبو داود منه [ فمن استطاع ] إلى آخره عن أحمد بن سريج عن أحمد الزبيري به .
وقد ذكر غير واحد من السلف أنه كانت لسليمان من النساء ألف امرأة سبعمائة بمهور وثلاثمائة سرارى وقيل بالعكس ثلاثمائة حرائر وسبعمائة من الإماء وقد كان يطيق من التمتع بالنساء أمرا عظيما جدا .
قال البخاري : حدثنا خالد بن مخلد حدثنا مغيرة بن عبد الرحمن عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي ( A ) قال : [ قال سليمان بن داود : لأطوفن الليلة على سبعين امرأة تحمل كل امرأة فارسا يجاهد في سبيل الله فقال له صاحبه : إن شاء الله فلم يقل فلم تحمل شيئا إلا واحدا ساقطا أحد شقيه ] فقال النبي ( A ) : [ لو قالها لجاهدوا في سبيل الله ] .
وقال شعيب وابن أبي الزناد : تسعين وهو أصح تفرد به البخاري من هذا الوجه .
وقال أبو يعلي : حدثنا زهير حدثنا يزيد أنبأنا هشام بن حسان عن محمد عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ( A ) : [ قال سليمان بن داود : لأطوفن الليلة على مائة امرأة كل امرأة منهن تلد غلاما يضرب بالسيف في سبيل الله ولم يقل إن شاء الله فطاف تلك الليلة على مائة امرأة فلم تلد منهن امرأة إلا امرأة ولدت نصف إنسان ] فقال رسول الله ( A ) : [ لو قال إن شاء الله لولدت كل امرأة منهن غلاما يضرب بالسيف في سبيل الله D ] .
إسناده على شرط الصحيح ولم يخرجوه من هذا الوجه .
وقال الإمام أحمد : حدثنا هشيم حدثنا هشام عن ابن سيرين عن أبي هريرة قال : قال سليمان بن داود : لأطوفن الليلة على مائة امرأة تلد كل واحدة منهن غلاما يقاتل في سبيل الله ولم يستثن فما ولدت إلا واحدة منهن بشق إنسان قال : رسول الله ( A ) : [ لو استثنى لولد له مئة غلام كلهم يقاتل في سبيل الله D ] تفرد به أحمد أيضا .
وقال الإمام أحمد : حجثنا عبد الرزاق أنبأنا معمر عن ابن طاووس عن أبيه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ( A ) : [ قال سليمان بن داود : لأطوفن الليلة بمائة امرأة تلد كل امرأة منهن غلاما يقاتل في سبيل الله قال : ونسي أن يقول إن شاء الله فأطاف بهن قال : فلم تلد منهن امرأة إلا واحدة نصف إنسان ] فقال رسول الله ( A ) : [ لو قال إن شاء الله لم يحنث وكان دركا لحاجته ] .
وهكذا أخرجاه في الصحيحين من حديث عبد الرزاق به مثله .
قال إسحاق بن بشر : أنبأنا مقاتل عن أبي الزناد وابن أبي الزناد عن أبيه عن عبد الرحمن عن أبي هريرة أن سليمان بن داود كان له أربعمائة امرأة وستمائة سرية فقال يوما : لأطوفن الليلة على ألف امرأة فتحمل كل واحدة منهن بفارس يجاهد في سبيل الله ولم يستثن فطاف عليهن فلم تحمل واحدة منهن إلا امرأة واحدة منهن جاءت بشق إنسان .
فقال النبي ( A ) : [ والذي نفسي بيده لو استثنى فقال إن شاء الله لولد له ما قال فرسان ولجاهدوا في سبيل الله D ] .
وهذا إسناد ضعيف لحال إسحاق بن بشر فإنه منكر الحديث ولا سيما وقد خالف الروايات الصحاح .
وقد كان له عليه السلام من أمور الملك واتساع الدولة وكثرة الجنود وتنوعها ما لم يكن لأحد قبله ولا يعطيه الله أحدا بعده كما قال : { وأوتينا من كل شيء } و { قال رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت الوهاب } وقد أعطاه الله ذلك بنص الصادق المصدوق .
ولما ذكر تعالى ما أنعم به عليه وأسداه من النعم الكاملة العظيمة إليه قال : { هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب } أي أعط من شئت واحرم من شئت فلا حساب عليك أي تصرف في المال كيف شئت فإن الله قد سوغ لك ما تفعله من ذلك ولا يحاسبك على ذلك وهذا شأن النبي الملك بخلاف العبد الرسول فإن من شأنه ألا يعطي أحدا إلا بإذن الله له في ذلك .
وقد خير نبينا محمد صلوات الله وسلامه عليه بين هذين المقامين فاختار أن يكون عبدا رسولا وفي بعض الروايات أنه استشار جبريل في ذلك فأشار إليه أن تواضع فاختار أن يكون عبدا رسولا صلوات الله وسلامه عليه وقد جعل الله الخلافة والملك من بعده في أمته إلى يوم القيامة فلا تزال طائفة من أمته ظاهرين حتى تقوم الساعة فلله الحمد والمنة .
ولما ذكر تعالى ما وهبه لنبيه سليمان عليه السلام من خير الدنيا نبه على ما أعده له من الآخرة من الثواب الجزيل والأجر الجميل والقربة إليه والفوز العظيم والإكرام بين يديه وذلك يوم المعاد والحساب حيث يقول تعالى : { وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب }