وكان خشن الملبس شظف العيش مطّرح الكلفة يلبس البابوج الذي يلبسه الصوفية ويلف الطول المقفّص الاسكندراني والقماش القصير وكان حلو المعاشرة ألف به القاضي فخر الدين ناظر الجيش واستكتبه في باب السلطان . ولما توفي فخر الدين رجع إلى الشام كاتب إنشاء واختلط قبل موته بسنتين . وكان مولده قبل مولد أخيه علاء الدين بشهور سنة إحدى وخمسين تقريباً بمكة ووفاته بعد أخيه بشهور سنة سبع وثلاثين وسبعمائة وكان يقول دائماً : زاحمني أخي علي في كل شيء حتى قي لبن أمي . ومات وله ست وثمانون سنة تقريباً . وسمع من ابن عبد الدايم وقرأ على ابن مالك وعرض عليه العمدة وبعده على ولده بدر الدين وعلى مجد الدين بن الظهير الإربلي وخرّج له البرازالي مشيخةً منهم ابن أبي اليسر ولأيوب الحمامي والزين خالد وعبد الله بن يحيى ابن البانياسي ومحمد بن النشبي ويحيى بن الناصح . وكان إذا أنشأ أطال فكره ونتف شعر ذقنه أو وضعه في فمه وقرّضه بثناياه . أنشدني من لفظه لنفسه : .
والله ما أدعو على هاجري ... إلاّ بأن يمحن بالعشق .
حتى يرى مقدار ما قد جرّى ... منه وما قد تمّ في حقّي .
وأنشدني من لفظه لنفسه : .
يا حسنها من رياضٍ ... مثل النُّضار نضاره .
كالزهر زهراً وعنها ... ريح العبير عباره .
وأنشدني من لفظه لنفسه : .
بأبي صائغٌ مليح التثني ... بقوامٍ يزري بخوط البان .
أمسك الكلبتين يا صاح فاعجب ... لغزالٍ بكفّه كلبتان .
وأنشدني العلاّمة أثير الدين من لفظه قال أنشدني المذكور لنفسه بالقاهرة : .
طرفك هذا به فتورٌ ... أضحى لقلبي به فتون .
قد كنت لولاه في أمانٍ ... لله ما تفعل العيون .
وأنشدني بالسند المذكور له : .
يا نازحاً عني بغير بعاد ... لولاك ما علق الهوى بفؤادي .
أنت الذي أفردتني منّي فلي ... بك شاغل عن مقصدي ومرادي .
سهرت بحبّك مقلتي فحلا لها ... فيك السهاد فلا وجدت رقادي .
ورضيت ما ترضي فلو أقصيتني ... أيام عمري ما نقضت ودادي .
أنت العزيز علَّي أن أشكو لك ال ... وجد الذي اهديته لفؤادي .
ولشهاب الدين لبن غانم C تعالى : .
ما اعتكاف الفقيه أخذاً بأجرٍ ... بل بحكمٍ قضى به رمضان .
هو شهر تغلُّ فيه الشياطي ... نُ ولا شكّ أنه شيطان .
وله أيضاً : .
أيها اللائمي لأكلي كروشاً ... أتقنوها في غاية الإتقان .
لا تلمني على الكروش فحبّي ... وطني من علائم الإيمان .
قلت : هو والشيخ صدر الدين أخذا المعنى من النصير الحمامي حيث قال : .
رأيت شخصاً آكلاً كرشةً ... وهو أخو ذوقٍ وفيه فطن .
وقال ما زلت محبّاً لها ... قلت من الإيمان حبُّ الوطن .
ولشهاب الدين ابن غانم أيضاً : .
تعجّب الناس للبطيخ حين أتى ... بحين حينٍ وإذ وافى بطاعون .
وكيف لا يقطع الأعمار مقدمه ... وليس يؤكل إلا بالسكاكين .
وله وقد أضافه الملك الكامل ولمّا خرج نسي عنده فرجّية فطلبها فمطله بها فكتب إليه : .
يا ذا الذي أطعمني ... في بيته سبع لقم .
ورام أخذ جبّتي ... هذا على الرطل بكم .
لمّا كان قراسنقر نائباً بدمشق أمر أن يبيت كلّ ليلة بالقصر الأبلق واحد من الموقّعين فنام ليلةً الشيخ نجم الدين حسن بن محمد الصفدي وكتب في حائط المكان الذي يبيتون به : .
عذبت ليلة المبيت بقلبي ... فهي عندي مأمولة التوقيت .
فلما كانت الليلة الثانية نام شهاب الدين أحمد بن غانم ورأى البيت فكتب تحته : .
ليت شعري من بيّت الشيخ حتى ... راح يثني خيراً على التبييت .
وكتب إلى قاضي قلعة الروم وكان اسمه مباركاً وقد جاءه ابن سماه أنساً : .
تهنّ يا مباركاً ... بالولد المبارك .
بمن سموه أنساً ... لأنه ابن مالكي .
وكتب إلى قاضي القضاة جمال الدين بن واصل وقد أقعده عاقداً بحماة في مكتب فيه السيف علي بن المغيزل :