ولما استقرت الأحوال وثبت ملك الملك الصالح أمر بتجهيز العساكر من مصر والشام إلى الكرك ومحاصرتها فكان يحضر من مصر ومن دمشق العساكر ويحاصرونه كلّما جاءت فرقة إليه توجهت الأولى فيقتل من هؤلاء ومن هؤلاء ويجرح من هؤلاء وهؤلاء وهلك الناس معه وراحت أموالهم وأرواحهم وأديانهم وهلك الرعايا من التجاريد والفلاحون من السّخر وحمل الأتبان وجرّ الماجنيق وآلات الحصار من الدبّابات وغيرها . وطال الأمر ولم يبق بمصر أمير ولا بالشام حتى تجرد إليه مرةً ومرتين وأمسك بسببه جماعة من أمراء الشام ومصر ثمّ أمسك نائب مصر الأمير شمس الدين آقسنقر وجماعة معه ووسطّ الأمير سيف الدين بكا الخضري ومعه جماعة من مماليك السلطان وأمسك أخوه يوسف وقضى الله أمره فيهم وأخذ أمر النصار يتلاشى وهلك من عنده من الجوع ؛ وضرب الذهب وخلط فيه الفضة والنحاس ونفق ذلك في الناس فكان الدينار خمسة دراهم . وهرب الناس من عنده وهرب من عنده شخص يعرف ببالغ وتوجّه إلى مصر فأعطي إمرة مائة وعاد إلى حصاره مع الأمير علم الدين سنجر الجاولي وجدّوا في الحصار ورموا القلعة بالمنجنيق فانكوا فيها وهدموا منها جانباً ودخلوا القلعة وأمسكوا الناصر أحمد في يوم الاثنين الظهر ثاني عشرين صفر سنة خمس وأربعين وسبعمائة وكتب إلى مصر بذلك فتوجه الأمير سيف الدين منجك الناصري وحزّ رأسه وتوجه به إلى القاهرة .
ابن المعتصم ابن صمادح .
أحمد بن محمد بن معن بن صمادح أبو جعفر ابن المعتصم بن صمادح تقدم ذكر أبيه في المحمدين وسيأتي ذكر جماعة من أهل بيته في أماكن من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى . قال في وصفه الحجازي : جرى في طلق أبيه وإخوته فأحسن في النظام إحساناً أوجب أن ينبّه عليه فممّا أحسن فيه قوله : .
أتى بالبدر من فوق القضيب ... فطارت نحوه طير القلوب .
وأشرق ما بأفقي من ظلامٍ ... لنورٍ منه في أفق الجيوب .
وولّى بعد تأنيسٍ وبرٍّ ... كمثل الشمس ولّت للمغيب .
وقوله : .
وحقّها إنّها جفون ... تسلُّ من لحظها المنون .
لا صبر عنها ولا عليها ... الموت من دونها يهون .
لأركبن الهوى إليها ... يكون في ذاك ما يكون .
ابن المولى .
أحمد بن محمد بن محمد عز الدين ابن المولى أخو نظام الدين ابن المولى تقدم ذكره في المحمدين . قال ابن الصقّاعي : كان يتولى نظر الديوان العالي بحلب وله مائتا فدان ملك بنواحي حلب وكان في غاية الشح والاجتهاد في جمع الأموال ولم يكن له من العائلة إلاّ مملوكان وغلام للخيل ولخدمته ولا يؤثر أحداً بفلس فردٍ واشتهر عنه بحلب وشاع أنه من حين ولي النظر بحلب إلى أن حوصرت لم ينفق من مقرره الدرهم الفرد . وإذا حضرت الصرّة فيها ألف وخمسمائة درهم جامكيّته يكتب عليها جامكيّة الشهر الفلاني ويرميها في الصندوق وينفق من بعض ما يحضر من أملاكه نفقةً يسيرة إلى الغاية . ولّما أخذت بغداذ وانجفل الناس وصل سعر المكّوك إلى ستين درهماً فأباع عزّ الدين ابن المولى بستمائة ألف درهم ؛ قال : بديوان المواريث في شغلٍ عرض لي سنة ست وثمانين وستمائة وقد أحضر خفراء طريق الكسوة خرجاً فيه سلب رث قيمته ثلاثون درهماً ذكروا أن صاحبه حضر من مصر راكب فرس والخرج وراءه فخرج عليه حرامية أرادوا أخذه منه فمانعهم فضربوه وظنوا موته وأقبل البريدية فهرب الحرامية فأحضروه إلى الكسوة وسألوا عن أمره فأخبرهم أنه يعرف بعز الدين ابن المولى حضر طالب حلب .
القاضي نجم الدين القمولي الشافعي