أحمد بن محمد فتح الدين ابن البققي - بباء موحدة وقافين على وزن الثّقفي - الحموي . أقام بديار مصر وكانت تبدو منه أشياء ضبطت عليه . وكان جيد الذهن ذكياً ولكن أدَّاه ذلك إلى الاستخفاف بالقرآن والشرع فضرب القاضي المالكي عنقه بين القصرين سنة إحدى وسبعمائة في شهر ربيع الأول وطيف برأسه وقد تكهل . ومن شعره : .
الكسُّ للجحر غدا ... معانداً من قدم .
فانظره يبكي حسداً ... في كل شهر بدم .
ومنه : .
لحا الله الحشيش وآكليها ... لقد خبثت كما طاب السّلاف .
كما يصبي كذا تضني وتشقي ... كما يشفي وغايتها الحراف .
وأصغر دائها والداء جم ... بغاء أو جنون أو نشاف .
ومنه فيما قيل : .
جبلت على حبّي لها وألفته ... ولا بد أن ألقي به الله معلنا .
ولم يخل قلبي من هواها بقدر ما ... أقول وقلبي خالياً فتمكنا .
قلت يشير إلى قول القائل : .
أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى ... فصادف قلباً خالياً فتمكنا .
ومنه : .
أين المراتب في الدنيا ورفعتها ... من الذي حاز علماً ليس عندهم .
لا شك أن لنا قدراً رأوه وما ... لمثلهم عندنا قدر ولا لهم .
هم الوحوش ونخن الإنس حكمتنا ... تقودهم حيثما شئنا وهم نعم .
وليس شيءٌ سوى الإهمال يقطعنا ... عنهم لأنهم وجدانهم عدم .
لنا المريحان من علمٍ ومن عدمٍ ... وفيهم المتعبان الجهل والحشم .
قلت : عارض بهذه الأبيات أبياتاً نظمها الشيخ تقي الدين ابن دقيق العيد وقد أوردتها في ترجمته في محمد بن علي وهي في وزنها ورويّها لكن المعنى عكس ذاك . ومنه : .
يا من يخادعني بأسهم مكره ... بسلاسةٍ نعمت كلمس الأرقم .
اعتدّ لي زردا تضايق نسجه ... وعلّي فكّ عيونها بالأسهم .
وله وقد دخل إلى إنسان طبيبٍ وقعد عنده ساعة طويلة ولم يطعمه شيئاً فلما قام من عنده قال : .
ولا تحسبوا أن الحكيم لبخله ... حمانا الغذا ما ذاك عندي من البخل .
ولكنّه لما تيقن أنّنا ... مرضنا برؤياه حمانا من الأكل .
وما أحسن قول شمس الدين ابن دانيال فيه : .
لا تلم البقّيّ في فعله ... إن زاغ تضليلاً عن الحقّ .
لو هذّب الناموس أخلاقه ... ما كان منسوباً إلى البقّ .
وقوله لما سجن ليقتل : .
يظنُّ فتى البققي أنه ... سيخلص من قبضة المالكي .
نعم سوف يسلمه المالكي ... قريباً ولكن إلى مالك .
ابن أبي الخوف .
أحمد بن محمد ابن أبي بكر ابن عماد الدين أبي الحرم مكي بن مسلم ابن أبي الخوف المعروف بعوكل شهاب الدين . كان له مطالعات كثيرة في كتب الأدب ويحفظ شعراً كثيراً للمتقدمين والمتأخرين أكثر ويعرف سرقات غالب الشعراء لا سيما شعراء المتأخرين وأهل العصر وكان لا اشتغال له غير المطالعة وكان جيد النقد للشعر والاختيار . وكتب مجاميع كثيرة من شعر المتأخرين وينظم المقاطيع الجيدة وله وقف يحصل منه في الصيف ما يكون له مؤنةً في الشتاء فيتوجه إلى الديار المصرية في الشتاء ويحضر إلى دمشق في الصيف ؛ وكان متمزقاً إلى الغاية . وتوفي C في مستهل شهر رجب الفرد سنة تسع وأربعين وسبعمائة في طاعون دمشق وله من العمر أربعون سنة تقريباً . أنشدني من لفظه لنفسه : .
ناظر الجامع الكبي ... ر ظلوم إذا قدر .
ابله ربّ بالعمى ... وأرحه من النّظر .
وأنشدني من لفظه لنفسه أيضاً : .
قلت له إذ بدا وطلعته ... قد أشرقت فوق قامةٍ تامه .
هب لي مناماً فقال كيف وقد ... رأيت شمس الضحى على قامه .
قلت : هو مأخوذ من قول شمس الدين محمد بن التلمساني : .
بدا وجهه من فوق أسمر قدّه ... وقد لاح من سود الذوائب في جنح .
فقلت عجيب كيف لم يذهب الدجى ... وقد طلعت شمس النهار على رمح .
ومن شعره في ابن العايق الطّباخ : .
قد غلب العايق في قوله ... لمّا أتى الطاعون بالحادث .
قمحيّتي تقتل في يومها ... وذاك في يومين والثالث