وكتب إلّي ونحن بالقاهرة : .
أيا فاضلاً ساد الورى بفضائلٍ ... تناهت فما أضحى لهنَّ عديل .
تقمّصت ثوب العلم والحلم والندى ... فأنت صلاح للورى وخليل .
ولست خليلاً بل خليجاً لواردٍ ... غلطت فسامحني فنيلك نيل .
فكتبت أنا جوابه : .
أيا ابن أبي الخوف الذي أمنت به ... طرائق نظمٍ واستبان دليل .
لقد فتّ غايات الأولى سبقوا إلى ... نهايات فضلٍ ما إليه سبيل .
فأنت على هذا الزمان كثير ... ورأيك في النظم البديع جميل .
؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ابن الحاجبي المصري .
أحمد بن محمد شهاب الدين المعروف بالحاجبي . شاب جندي رأيته بالقاهرة في سوق الكتب سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة وأنشدني من لفظه لنفسه : .
أقول شبّه لنا جيد الرّشا ترفاً ... يا معمل الفكر في نظمٍ وإنشاء .
فظلّ يجهد أياماً قريحته ... وشبّه الماء بعد الجهد بالماء .
وبلغني عنه مقاطيع رائقة وأبيات رائعة منها قوله : .
مالوا بغير الراح أغصانا ... والتفتوا يا صاح غزلانا .
واحتملوا في الخصر لما مشوا ... في عقدات الرّمل كثبانا .
غيد حلت أفنان أوصافهم ... هذا الذي والله أفنانا .
في وجه كلً منهم روضة ... حوت من الأزهار ألوانا .
يقول لي لين تثننّيهم ... ضلَّ الذي بالرمح حاكانا .
هب سنّه يغزو كألحاظنا ... فهل رأيت الرّمح وسنانا .
أشكو إليهم تعباً من جفاً ... صيّرني في الليل سهرانا .
قالوا أترجوه راحةً في الهوى ... لم يزل العاشق تعبانا .
ولا تكن ذا طمع في الكرى ... إنّا فتحنا لك أجفانا .
ولما سمع قولي : .
قالت لأيري وهو فيها ضائعٌ ... كالحبل وسط البئر إذ تلقيه .
قد عشت في كُس كبير قلت ما ... كذبت لأنّ الكاف للتشبيه .
قال هو مختصراً : .
ربَّ صغيرٍ حين ولّفته ... أيقنت لا يدخل إلاّ اليسير .
ألفيته كالبئر في وسعه ... حتى عجبنا من صغيرٍ كبير .
وكذا لما سمع قولي : .
يا طيب نشرٍ هبَّ لي من أرضكم ... فأثار كامن لوعتي وتهتكي .
أدّى تحيتكم وأشبه لطفكم ... وحكى شذاكم إنَّ ذا نشر ذكي .
قال هو : .
لا تبعثوا غير الصّبا بتحيةٍ ... ما طاب في سمعي حديث سواها .
حفظت أحاديث الهوى وتضوّعت ... نشراً فيا لله ما أذكاها .
ومن نظمه : .
وصفت خصره الذي ... أخفاه ردف راجح .
قالوا وصف جبينه ... فقلت : ذاك واضح .
ومن نظم شهاب الدين أحمد ابن الحاجبي : .
لم أنس أيام الصّبا والهوى ... لله أيام النّجا والنّجاح .
ذاك زمان مرّ حلو الجنى ... ظفرت فيه بحبيبٍ وراح .
ومنه : .
يميس على حقفٍ هو الردف عطفه ... فلله مهتز بقدّ القنا يهزو .
رشاً عاجز من ردفه عن نهوضه ... فإن قام ذاك العطف أقعده العجز .
ومنه : .
يا ناصحاً أتعبه لوم ذي ... عقلٍ سليبٍ وفؤادٍ لسيب .
لا ذقت ما يشكوه من شادنٍ ... بعيد وصلٍ ورقيبٍ قريب .
ومنه : .
تقول وقد تجاذبنا للثمٍ ... ورحت لسلكها ونثرت حبّه .
أحبّاً تدّعي وفرطت عقدي ... فقلت وذاك من فرط المحبه .
ومنه : .
قعدت أصطاد بنيل مصرٍ ... يوم وفاه وهو محمرّ الصّفا .
فشلت منه رايةً قلت له ... ذي الراية البيضا عليه بالوفا .
ومنه : .
ولقد نثرت مدامعي ودمي معا ... يوم الرحيل وخاطري مكسور .
لا تعجبوا لتلوّنٍ في أدمعي ... لا غرو أن يتلوّن المنثور .
ومنه : .
ألا ربّ بستانٍ نزلت فناءه ... أنيساً وفيه دول يتدفّقً .
تفتّح فيه النّور إذ باشر الندى ... وقد ضاع منه نشره وهو مغلق .
ومنه :