من غادرٍ خبثت مغارسٍ وده ... فإذا محضت له الوفاء تأولا .
لله علمي بالزمان وأهله ... ذنب الفضيلة عندهم أن تكملا .
طبعوا على لؤم الطباع فخيرهم ... إن قلت قال وإن سكتّ تقولا .
أنا من ما الدهر همّ بخفضه ... سامته همته السماك الأعزلا .
واعٍ خطاب الخطب وهو مجمجم ... راعٍ أكلّ العيس من عدم الكلا .
زعم كمنبلج الصباح وراءه ... عزم كحدّ السيف صادف مقتلا .
ومنه قوله : .
من ركب البدر في صدر الردينيّ ... وموّه السحر في حدّ اليمانيّ .
وأنزل النيّرّ الأعلى إلى فلكٍ ... مداره في القباء الخسروانيّ .
طرف رنا أم قراب سلّ صارمه ... وأغيد مأس أم أعطاف خطيّ .
أذلني بعد عزٍ والهوى أبداً ... يستعبد اللّيث للظبي الكناسي .
أما وذائب مسكٍ من ذوائبه ... على أعالي القضيب الخيزارنيّ .
وما يجنّ عقيقي الشفاه من ال ... ريق الرحيقيّ والثغر الجمانيّ .
لو قيل للبدر من في الأرض تحسده ... إذا تجلّى لقال ابن الفلاني .
أربى عليّ بشتّى من محاسنه ... تألفت بين مسموعٍ ومرئي .
إباء فارس في لين الشآم مع ... الظرف العراقّي والنطق الحجازي .
وما المدامة بالألباب أفتك من ... فصاحة البدو في ألفاظ تركيّ .
ومنه أيضاً : .
أنكرت مقلته سفك دمي ... وعلا وجنته فاعترفت .
لا تخالوا خاله في خدّه ... قطرةً من دم جفني نقطت .
ذاك من نار فؤادي جذوة ... فيه شبّت وانطفت ثم طفت .
ومنه أيضاً : .
لا تغالطني فما تخ ... فى علامات المريب .
أين ذاك البشر يامو ... لاي من هذا القطوب .
ومنه أيضاً : .
أحلى الهوى ما تحلّه التّهم ... باح به العاشقون أو كتموا .
أغرى المحبّين بالأحبة بال ... عذل كلام أسماؤها كلم .
سعوا بنا لا سعت بهم قدم ... فلا لنا أصلحوا ولا لهم .
ضرّوا بهجراننا وما انتفعوا ... وصدّعوا شملنا وما التأموا .
ياربّ خذلي من الوشاة إذا ... قاموا وقمنا لديك نختصم .
ومنه : .
عدمت دهراً ولدت فيه ... كم أشرب المرّ من بنيه .
ما تعتريني الهموم إلا ... من صاحب كنت أصطفيه .
فهل صديق يباع حتى ... بمهجتي كنت أشتريه .
وكم عدوٍّ رغبت عنه ... فعشت حتى رغبت فيه .
وكان ابن منير كثيراً ما ينكث ابن القيسراني بأنّه ما صحب أحداً قط إلا نكب . فاتفق أن أتابك عماد الدين زنكي صاحب الشام غنّاه مغنّ على قلعة جعبر وهو يحاصرها قول ابن منير : .
ويلي من المعرض الغضبان إذ نقل ال ... واشي إليه كلاماً كلّه زور .
سلّمت فازورّ يثني قوس حاجبه ... كأنني كأس خمر وهو مخمور .
فاستحسنهما زنكي وقال : لمن هما ؟ فقيل : لابن منير الطرابلسي وهو بحلب فكتب إلى والي حلب يتجهيزه إليه سريعاً فليلة وصل ابن منير قتل أتابك زنكي فرجع ابن المنير إلى حلب فقال له ابن القيسراني : هذه بكل ما كنت تنكثني به . وقال ابن عساكر في تاريخ دمشق : حدث الخطيب السديد أبو محمد عبد القاهر بن عبد العزيز خطيب حماة قال : رأيت أبا الحسين ابن منير الطرابلسي في النوم بعد موته وأنا على قرنة بستان مرتفعة فسألته عن حاله وقلت له : اصعد إلى عندي فقال : ما أقدر من رائحتي . فقلت : تشرب الخمر ؟ فقال : شراً من الخمر يا خطيب . فقلت : ما هو ؟ قال : تدري ما جرى علّي من هذه القصائد التي قلتها في مثالب الناس ؟ فقلت : ماجرى عليك منها ؟ فقال : لساني قد وثخن وصار مدّ البصر وكلما قرأت قصيدة منها قد صارت كلاّباً تتعلق في لساني . وأبصرته حافياً عليه ثياب رثة إلى الغاية وسمعت قارئاً يقرأ من فوقه " لهم من فوقهم ظللٌ من النّار " ثم انتبهت مرعوباً .
وقال أبو الحكم عبد الله المغربي صاحب نهج الوضاعة في ابن منير لّما مات :