إدريس بن يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن بن علي صاحب المغرب المأمون أبو العلاء ؛ بويع بعده ابنه عبد الواحد ولقّب الرشيد مع خلاف ابن عمّه يحيى . وكان أبو العلاء قد عصى عليه أهل سبتة مع أبي العباس البلّشي وأخذوا منه طنجة وقصر عبد الكريم فجاء بجيشه ونازل سبتة وبالغ في حصرها فخرج عليه أهل سبتة فبيتوا الجيش فهزموهم وركب بعض الأوباش مركباً في البحر وساروا إلى أن حاذوا الملك فصاحوا به فوقف فقالوا : يا أمير المؤمنين أصبح أهل سبتة فرقتين فلما سمع هذا الكلام أنصت لهم فقال : ما تقولون ؟ قالوا : يقولون أمير المؤمنين أقرع وقوم يقولون أصلع فبالله أعلمنا حتى نخبرهم فغضب من هذا وتبرّم ومات سنة تسع وعشرين وستمائة . وكان قد أزال ذكر ابن تومرت من الخطبة وملك بعده ابنه عبد الواحد الرشيد عشرة أعوام وكان المأمون اجتمع فيه أوصاف الطرفين : أخذ من أبيه محبّة العلوم والعلماء وانفاق في صالح وأخذ من جده لأمه الشهامة والشجاعة والإقدام على الأمور العظام وليس في بني عبد المؤمن أعجب حديثاً منه فإنّه كان بالأندلس والياً على قرطبة ويومئذ منسوب إلى الضعف والمهانة . فلما استولى أخوه العادل وثار عليه بالأندلس الظافر البيّاسي من بني عبد المؤمن وأخذ بمخنق العادل فأسلم العادل الأندلس ومضى إلى مراكش وترك أخاه إدريس بإشبيلية بغير مال ولا رحال وأيس الناس من سلامته وصار معظم الأندلس للبياسي . ثم أنّه نزل على إشبيلية وحاصر إدريس فأخرج إدريس من قصره حتى حلّي نسائه وقسم ثمن ذلك على الجند وهبّت له ريح السعادة والتوفيق وأفسد أجناد البيّاسي في السرّ بالمكاتبات والبذل والمواعيد . ففهم ذلك البياسي ورحل هارباً فدخل قرطبة وكان إدريس قد بعث بعثاً إلى قرطبة وأفسدهم على البّياسي وخوّفهم من أن يمكّن النصارى منهم فأثّر ذلك عندهم فلما دخلها صاحوا صيحة واحدة وزحفوا على قصره فخرج خائفاً يركض فرسه فخرجت الخيل خلفه . فلحقه فارس منهم فقال له : إلى أين ؟ أنت تزعم أنك تكسر الجيوش باسمك وحدك ارجع إليّ فها أنا وحدي . فقال إنما كنت أكسره باسم السعادة فهل لك في أن تصطنعني فما أجدني أقدر على الدفاع . فحمل عليه وأخذ سيفه من يده وضرب عنقه به وحمل رأسه إلى إدريس فأعطاه ألف دينار وصيّره من خواصه ثم إنّه طاوله وضرب عنقه وقال : ما استطيع أن أبصر من قتل ملكاً . ولّما استقامت الأندلس لإدريس وبلغه ضعف أخيه العادل بمراكش خلع طاعته في سنة أربع وعشرين وستمائة وجلس لأخذ البيعة فقام ابن عمه السيد أبو عمران وقرأ " قل اللّهمَّ مالك الملكِ " الآية . وقال : يسأل عن الرجل أهل بيته وقد سابقناه فأبى إلا تبريزا وخبرناه فلم نجده إلا ذهباً إبريزا فبادروا إلى بيعته فنور السعادة من وجهه لائح وقارضوه بإسلاف الطاعة فإنّ المتجر عنده رابح . فانثال الناس على بيعته وقد امتلأت قلوبهم بمحبته فلم تمرّ إلاّ أيام يسيرة حتى بلغه أن أخاه قتله أهل مراكش وبايعوا بالخلافة ابن أخيه يحيى ابن الناصر وكان صبياً . وشاع ذلك بالأندلس فهجم ابن هود على حصن من حصون مرسية وخطب فيه لبني العباس وخطب في السرّ قاضي مرسية . فبنوا الحيلة على أن يأتي طائعاً إلى صاحب مرسية ابن عم إدريس فأتاه ودخل مع جنده ليقبل يده فلما مال على تقبيل يده أكبّوا على صاحب مرسية وقبضوه وأخرجوه من البلد وملكوا مرسية لابن هود فلم يقدم شيئاً إلى قتل القاضي الذي دبّر معه هذه الحيلة ؛ وطالت الدولة فرحل إدريس ونزل بعساكره على مرسية فامتنعت عليه وجدّ أهلها في القتال فاغتاظ إدريس على جماعة من قواد الأندلس الذين كانوا معه وقتلهم بأنواع القتل وعظمت الشناعة عليه وانبتر سلك ملك الأندلس من يده في جمعة . وملك ابن هود الأندلس ولم يبق في يد إدريس غير إشبيلية ترك بها ابنه عليّاً ورحل إلى مراكش قبضوا أهل إشبيلية على علي بن إدريس وسجنوه ودخلوا في طاعة ابن هود . ووصل إدريس مراكش وكانت له واقعة عظيمة على صاحب مراكش كسره فيها واستولى إدريس على مراكش وقعد في محفل من الموحدين وأهل مراكش وجعل يقرّعهم بذنوبهم في خلع الخلفاء . فقال له شيخهم ابن أبي عمران إنّما يعاتب الرأس والرأس والأذناب لا عتب عليها فأشار بيده إلى أعوان دولته فسجنوا من أهل مراكش من أعيان الدولة نيفاً وأربعين فضرب أعناق الجميع فأيس الناس من خيره أنّه سحب ذيل