أرسلان الأمير بهاء الدين الدوادار . كان أولا عند الأمير سيف الدين سلار خصيصاً به فلما كان السلطان الملك الناصر قد جاء من الكرك في المرة الأخيرة بعساكر الشام وتلقاه العسكر المصري ونزل بالرّيّدانية ظاهر القاهرة اطّلع بهاء الدين أرسلان على أنهم اتفقوا على أن يهجموا عليه الدهليز ويقتلوه يوم العيد أول شوال فجاء إليه وعرّفه الحال وقال له : اخرج الساعة واطلع إلى القلعة واملكها ففتحوا له شرج الخام وخرج من غير الباب وساق من وقته وطلع إلى قلعة الجبل وملكها وكان سبباً في نجاته فرعى له ذلك . ولما خرج أيدمر الدوادار من القاهرة إلى الشام رتب بهاء الدين أرسلان في الوظيفة ؛ وكان شكلاً حسناً قد خرّجه وهذّبه وثقفه القاضي علاء الدين ابن عبد الظاهر وصار له إليه ميل عظيم وتصادقا وتصافيا . ويقال إنّ الرسالة التي لعلاء الدين ابن عبد الظاهر الموسومة ب مراتع الغزلان أنشأها فيه وكان يكتب مليحاً ويعرف الدوادارية جيداً وتواقيعه مسدّدة وعبارته وافيه بالمقاصد خبير بما يكتبه واستولى على الشلطان وتمكن وترسل عنه إلى مهنّا . ولما كان دواداراً لم يكن لأحدٍ معه ذكر لا لكريم الدين ولا لفخر الدين ولا لغيرهما وإذا تام في المدينة انقلبت لأجله وحضر أكابر الدولة عنده وباتوا في خدمته . وعمر خانقاه في منشأة المهراني . وعلى الجملة فإنّه قضى عمراً حميداً في مباشرته ونفع الناس عند السلطان . يقال إنّه لّما توفي وجد ممّا في خزانته ألف ثوب أطلس وتواقيع كثيرة وتقاليد معلم عليها بوظائف أنكر إن شاء الله تعالى . ومرض هو والقاضي علاء الدين ابن عبد الظاهر معاً وتوفي أحدهما بعد الآخر بيوم وإذا سأل أحدهما عن الآخر يقال له إنّه طيب سنة سبع عشرة وسبعمائة .
أرطأة .
الألهاني السكوني .
أرطأة بن المنذر بن الأسود أبو علي السكوني الحمصي هو من صغار التابعين أدرك أبا أمامة قال فيه ابن حبان : ثقة حافظ ؛ قال : أتيت عمر بن عبد العزيز ففرض لي في خيله وقال : يا أرطأة ألا أحدّثك بحديثٍ هو عندنا من العلم المخزون قلت : بلى قال : إذا توضأت عند السّحر فالتفت إليه وقل : يا واسع المغفرة اغفر لي فإنّه لا يرتدّ إليك طرفك حتى يغفر لك ذنوبك . أسند أرطأة عن خالد بن معدان وغيره وروى عنه نفير بن الوليد وغيره وتوفي سنة ثلاث وستين ومائة . روى له أبو داود والنسائي وابن ماجة .
ابن سهيّة الشاعر .
أرطأة بن زفر بن عبد الله من غطفان وكنيته أبو الوليد عاش مائة وثلاثين سنة . دخل على عبد الملك فقال له ما بقي من شعرك ؟ فأنشد : .
رأيت المرء تأكله الليالي ... كأكل الأرض ساقطة الحديد .
وما تبغي المنيّة حين تأتي ... على نفس ابن آدم من مزيد .
وأعلم أنّها ستكرّ حتى ... توفّي نذرها بأبي الوليد .
فارتاع عبد الملك لأنّه كان يكنى أبا الوليد . فقال أرطأة : يا أمير المؤمنين إنّما عنيت نفسي فقال عبد الملك : وأنا والله سيمربي ما مرّ بك . وتوفي أرطأة سنة ست وثمانين للهجرة كذا قاله سبط ابن الجوزي .
وقال صاحب الأغاني : أرطأة بن عبد الله بن مالك الذبياني شاعر فصيح إسلامي جواد كان يقال له ابن سهيّة دخل على عبد الملك بن مروان فقال له : كيف حالك ؟ فقال : ضعفت أوصالي وضاع مالي وقل مني ما كنت أحب كثرته ما كنت أحب قلته . قال : فكيف أنت في شعرك ؟ قال والله يا أمير المؤمنين ما أطرب ولا أغضب ولا أرغب ولا أرهب وما يكون الشعر إلاّ من هذه النتائج الأربع على أني القائل : رأيت المرء تأكله الليالي .
وقال : دخل أرطأة على مروان بن الحكم لما اجتمع له أمر الخلافة وفرغ من الحروب فهنّأه وكان خاصاً به ثم أنشده : .
تشكّى قلوصي إليّ الوجى ... تجرّ السريح وتبلي الخداما .
تزور كريماً له عندها ... يد لا تعدّ وتهدي السّلاما .
وقلّ ثواباً له أنها ... تجيد القوافي عاماً فعاما .
سادت معداً على رغمها ... قريش وسدت قريشاً غلاما .
نزعت على مهلٍ سابقاً ... فما زادك النزع إلا تماما .
تشقّ القوانس حتى تنال ... ما تحتها ثم تبري العظاما .
فزاد لك الله سلطانه ... وزاد لك الخير منه فداما