وقال دخلت يوماً على القاضي الفاضل رحمه اللع تعالى فوجدت بين يديه أترجة كبيرةً مفرطة الضخامة من الأترج الشمعي فلما جلست حدقت إليها واتفق لي فكر وذهول فأخذ C يتنادر على نفسه وقال : يا مولاي الأسعد ما هذه الفكرة ؟ ما أنت مفكر إلا في خلق هذه الأترجة وما فيها من التكتيل والتعويج وتعجب من المناسبة وكيف اتفق الجمع بيننا . فدهشت وانخلع قلبي منه ثم رجع إلي خاطري فقلت : لا والله بل أفكر في معنى وقع لي فيها ! .
ويسر الله أن نظمت بديهاً من السريع : .
لله بل للحُسْنِ أترجّةٌ ... تذكِّر الناس بأمر النعيم .
كأنّها قد جمعت نفسها ... من هيبة الفاضل عبد الرحيم .
فأعجباه واستحسنهما وانقطع الحديث .
ومن شعره أيضاً من الوافر : .
تُعاتِبني وتَنْهَى عن أمورٍ ... سبيلُ الناس أن يَنْهَوك عنها .
أتقدر أن تكون كمثل عيني ... وحقِّك ما عليَّ أضرُّ منها .
وله من قصيدة من الطويل : .
لنيرانه في الليل أيُّ تخرُّقٍ ... على الضيف إن أبطا وأيُّ تلهُّب ! .
وما ضَرَّ مَن يَعشو إلى ضوءِ ناره ... إذا هو لم ينزل بآل المُهلَّب ! .
ولما وقع الثلج في حلب سنة خمس وستمائة قال عدة مقاطع في ذلك منها من البسيط : .
قد قُلتُ لمّا رأيتُ الثلجَ مُنبسطاً ... على الطريق إلى أن ضلَّ سالكهُا : .
ما بيَّض الله وجه الأرض في حلبٍ ... إلاّ لأنّ غيِاثَ الدين مالكُها .
ومنها من الرجز : .
لمّا رأيتُ الثلج قد ... غَطّى الوِهادَ والقنُنْ .
سألتُ أهل حلبٍ : ... هل تُمطِرُ السمّا لَبَنْ ؟ .
ومن شعره من السريع : .
وأهْيفٍ أحدثَ لي نحوه ... تَعَجبُّاً يُعرب عن ظرفهِ .
علامةُ التأنيث في لفظه ... وأحرف العلةّ في طرفه .
ومن شعره من الكامل : .
وحياة ذاك الوَجه بل وحياته ... قَسَمٌ يُريك الحُسْنَ قَسماته .
لأُرابِطنَّ على الغَرامِ بثغره ... لأفوز بالمرجُوِّ من حسَنَاته .
وأُجاهِدَنَّ عوَاذِلي في حبُهِّ ... بالمرْهَفات عليَّ من لحظَاته .
قد صيغَ من ذهبٍ وقُلِّد جوهراً ... فلذاك ليس يجوز أخذُ زكاته .
ومنه دوبيت من الرمل : .
يا غُصْنُ أراك حاملاً عُودَ أراكْ ... حاشاك إلى السِّواك يحتاج سِواكْ .
قُلْ لي أنَهاك عن محِبيّك نُهاك ... لو تمَّ وفاك بُستُ خدَّيك وفاك .
وقال مهذب الدين ابن الخيمي يهجو أسعد بن مماتي من الخيف : .
وحديثِ الإسلام واهي الحديث ... باسِمِ الثغرِ عن ضميرٍ خبيثِ .
لو رأى بعضَ شِعْره سيبَويَه ... زاده في علامة التأنيث .
وإنما قيل لجده أبي المليح مماتي لأنه وقع في مصر غلاءٌ عظيم وكان كثير الصدقة والإطعام خصوصاً لصغار المسلمين وكانوا إذا رأوه نادى كل واحد منهم مماتي فاشتهر به .
أبو أمامة الأنصاري .
أسعد بن سهل بن حنيف بضم الحاء المهملة وفتح النون وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره فاء الأنصاري الأوسي المدني أبو أمامة ولد في حياة رسول الله A ورآه وحدث عن أبيه وعمر وعثمان وزيد بن ثابت ومعاوية وابن عباس وروى له البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وكان من علماء المدينة ومن أبناء الذين شهدوا بدراً . وأسعد من المبايعات أم حبيبة بنت أبي أمامة أسعد بن زرارة أحد النقباء . وأسعد صاحب هذه الترجمة هو الذي صلى بالناس الجمعة لما حصروا عثمان Bه . وقال ابن عبد البر : مشهور بكنيته ولد قبل وفاة رسول الله A فدعا له وسماه باسم جده وكناه بكنيته وهو أحد الجلة وروى عنه ابناه محمد وسهل ويحيى الأنصاري والزهري في آخرين وقدم بكتاب عمر بن الخطاب على أبي عبيدة بالشام وغزا معه . وتوفي سنة مائة وقيل : سنة إحدى ومائة .
البارع الزوزني