فتغيروا لما رأوني نائياً ... وعن التصرف قد صرفت عِناني .
دعْهم وعادتَهم فلَم أرَ مثلهم ... إلاّ مجرَّدَ صورة الإنسان .
واغسلْ يديك من الزمان وأهله ... بالطين والصابون والأُشنان .
قلت : شعر منحط .
بهاء الدين السنجاري الشافعي .
أسعد بن يحيى بن موسى بن منصور بن عبد العزيز بن وهب بن وهبان بن سوار بن عبد الله ابن رفيع بن ربيعة بن هبان السلمي السنجاري الفقيه الشافعي بهاء الدين كان فقيهاً تكلم في الخلاف إلا أنه غلب عليه الشعر واشتهر به وخدم به الملوك وأخذ جوائزهم وطاف بالبلاد ومدح الأكابر . ومن شعره قصيدة مدح بها القاضي كمال الدين الشهرزوري أولها من الكامل : .
وهواكَ ما خطَرَ السلوُّ بباله ... ولأنْت أعلمُ في الغَرام بحاله .
ومتى وشى واشٍ إليك بأنّه ... سالٍ هواك فذاك من عُذاّله .
أوَ ليس للكَلِفِ المُعنَىَّ شاهِد ... من حاله يُغْنيك عن تَسأْله ؟ .
جد دّت ثوبَ سقامه وهتكت سِتْ ... رَ غَرامه وصرمْتَ حبل وصاله .
منها من الكامل : .
كتب العِذارُ على صحيفة خدّه ... نوناً وأعْجمَهَا بنقطة خاله .
فسواد طُرّته كلَيْل صُدوده ... وبياضُ غُرتّه كيوم وصاله .
فكفاه عين كماله في نفسه ... وكفى كمال الدين عينُ كماله .
ومن شعره أيضاً من الكامل : .
ومُهَفْهَفٍ حُلْوِ الشمائل فاترِ الْ ... ألحاظ فيه طاعةٌ وعقُوقُ .
وقف الرحيقُ على مَراشفِ ثغره ... فجرى به من خدّه راووق .
سَدَّت محاسنُه على عُشّاقه ... سُبُلَ السلوّ فما إليه طريق .
ومنه أيضاً من السريع : .
هَبّت نُسيَمات الصَّبا سحرةً ... ففاح منها العنبر الأشهبُ .
فقلت إذ مرّت بوادي الغَضا : ... من أين هذا النَّفسُ الطيّب ؟ .
قال جمال الدين عبد الرحمن بن السنينيرة الواسطي الشاعر وسيأتي ذكره إن شاء الله تعالى : رافقني البهاء السنجاري في بعض الأسفار من سنجار إلى رأس عين فنزلنا في الطريق في مكان وكان له غلام اسمه إبراهيم وكان يأنس به فأبعد عنا الغلام فقام يطلبه وناداه : يا إبراهيم يا إبراهيم ! .
مراراً فلم يسمع نداءه لبعده عنا ؛ وكان ذلك الموضع له صداً فلما قال : يا إبراهيم ! .
أجابه الصدا : يا إبراهيم ! .
فقعد ساعةً ثم أنشدني من الطويل : .
بنفسي حبيبٌ جارَ وهو مُجاورٌ ... بعيدٌ عن الأبصار وهو قريبُ .
يُجيب صَدا الوادي إذا ما دعوتُه ... على أنّه صخرٌ وليس يُجيب .
وكان بينه وبين صاحب له مودة أكيدة ثم جرى بينهما عتاب وانقطع ذلك الصاحب عنه فسير إليه يعتبه لانقطاعه فكتب إليه بيتي الحريري وهما في المقامات من الخفيف : .
لا تَزُرْ من تحبّ في كلّ شهر ... غيرَ يومٍ ولا تَزِدْه عليهِ .
فاجتْلاءُ الهلال في الشهر يومٌ ... ثم لا تنظر العيونُ إليهِ .
فكتب إليه بهاء الدين من نظمه من الوافر : .
إذا حقّقْتَ من خِلّ وداداً ... فَزُرْه ولا تَخَفْ منه مَلالا .
وكُنْ كالشمس تطلع كلَّ يومٍ ... ولا تَكُ في زيارته هلالا .
ومن شعره أيضاً من السريع : .
لله أيّامي على رامةٍ ... وطيبُ أوقاتي على حاجر .
تكاد للسرعة في مَرّها ... أوّلُها يعثر بالآخر .
قلت : أخذه من قول الأول من البسيط : .
يا ليلةً كاد من تَقاصُرها ... يعثر فيها العشاء بالسَّحَر .
ومن شعره من مجزوء الكامل : .
ومن العجائب أنّني ... في لُجِّ بحر الجود راكبْ .
وأموت من ظَمَإ ول ... كنْ عادةُ البحر العجائب .
قلت : يشبه قول الناصر داود في قصيدته التي مدح بها الإمام المستنصر بالله وكان قد حجبه لأجل عمه الكامل من الطويل : .
وبي ظَمَأٌ رؤياك مَنْهَلُ ريه ... ولا غَرْوَ أن تصفو لديّ مشاربُهْ .
ومن عجبٍ أني لدى البحر واقف ... وأشكو الظَما والبحر جمٌّ عجائبه .
ولبهاء الدين السنجاري أبيات خمرية منها قوله من البسيط :