إسماعيل بن أحمد بن سعيد بن الأثير الحلبي الكاتب ولي الكتابة الدرج بعد والده تاج الدين المقدم ذكره بالديار المصرية مدةً ثم تركها تديناً وتورعاً وله خطب مدونة . وهو الذي علق شرح العمدة عن الشيخ تقي الدين ابن دقيق العيد وشرح قصيدة ابن عبدون الرائية التي رثى بها بني الأفطس . عدم في الوقعة سنة تسع وتسعين وستمائة . وكان ينعت بعماد الدين . كتب إليه السراج الوراق يمدحه من الطويل : .
مَخيلةُ إسماعيل صادقةُ الوعدِ ... وفَتْ بشروط المجد مُذ كان في المهْدِ .
وكان لأملاك الزمان ذخيرةً ... كما ادّخِرَ السيفُ المهنَّدُ في الغِمْدِ .
فعزَّ بزند الأشْرف المَلِكِ الذي ... يُرى سيفهُ يومَ الوغى واريَ الزنْدِ .
فهذا صلاحُ الدين كاتبُ دَسْته ال ... شريفُ عماد الدين وقفْاً على سعدِ .
فلا زال يوليه الخليلُ مُحِبُّه ... ولا زال إسماعيل يُفْدى ولا يَفدْي .
أبو الطاهر تقي الدين .
إسماعيل بن أحمد بن إسماعيل تقي الدين أبو الطاهر ابن الشيخ جمال الدين أبي العباس مولده ببلبيس سنة أربع وخمسين وستمائة . أجاز لي في ذي الحجة سنة ثمان وعشرين وسبعمائة .
قاضي بغداد المالكي .
إسماعيل بن إسحاق بن إسماعيل بن حماد بن زيد بن درهم أبو إسحاق الأزدي مولى آل جرير بن حازم من أهل البصرة توفي سنة اثنتين وثمانين ومائتين فجأة ومولده سنة مائتين لبس سواده ليخرج إلى الجامع فيحكم ولبس أحد خفيه وأراد أن يلبس الآخر فمات وهو قاضٍ على جانبي بغداد جميعاً . سمع محمد بن عبد الله الأنصاري ومسدد بن مسرهد وعلي بن المديني وغيرهم وروى عنه موسى بن هارون الحافظ وعبد الله بن أحمد بن حنبل ويحيى بن صاعد وكثيرون وكان فاضلاً عالماً متفنناً فقيهاً على مذهب مالك شرح مذهبه ولخصه واحتج له وصنف المسند وكتباً عديدةً في علوم القرآن وجمع حديث أيوب وحديث مالك وصنف موطأه وكتاباً في الرد على محمد بن الحسن نحو مائتي جزء لم يتم وأحكام القرآن لم يسبق إليه ومعاني القرآن . وكان وافر الحرمة ظاهر الحشمة وتفقه على أحمد بن المعذل . وكان أبو بكر بن مجاهد يصف كتابيه أحكام القرآن والقراءات وقال مرات : القاضي إسماعيل أعلم مني بالتصريف . وبلغ من العمر ما صار به واحداً في عصره في علو الإسناد وكان الناس يصيرون إليه فيقتبس كل فريقٍ علماً لا يشاركه فيه الآخر .
وتولى في خلافة المتوكل لما مات سوار بن عبد الله ولم يعز له أحد من الخلفاء غير المهتدي فإنه نقم على أخيه حماد بن إسحاق شيئاً فضربه بالسياط وعزل إسماعيل إلى أن قتل المهتدي وولي المعتمد فأعاده إلى القضاء ولم يزل على قضاء جانبي بغداد إلى أن مات ولم يقلد قضاء القضاة لأن الحسن ابن أبي الشوارب كان قاضي القضاة وإقامته بسر من رأى . ولما مات إسماعيل بقيت بغداد ثلاث أشهر بغير قاضٍ حتى ضج الناس ورفع الأمر إلى المعتضد فاختار عبيد الله بن سليمان ثلاثة قضاة : أبا حازم وعلي بن أبي الشوارب ويوسف وهو ابن عم إسماعيل فولي أبو حازم الكرخ وابن أبي الشوارب مدينة المنصور ويوسف الجانب الشرقي .
ودخل عليه عبدون بن صاعد الوزير وكان نصرانياً فقام له القاضي ورحب به فرأى إنكار الشهود ومن حضره فلما خرج من عنده قال لهم : قال الله تعالى " لا يَنْهاكُم اللهُ عن الذين لم يُقاتلُوكُمْ في الدين ولم يُخْرِجُوكمْ من ديِارِكُمْ " وهذا الرجل يقضي حوائج المسلمين وهو سفير بيننا وبين خليفتنا وهذا من البر . فسكت الجماعة .
قال المبرد : لما توفيت والدة القاضي رأيت من ولهه ما لم يقدر على ستره وكان كل يعزيه لا يسلو فسلمت عليه وأنشدته من المتقارب : .
لعمري لَئِنْ غل رَيْبُ الزمان ... فساءَ لقد غال نفساً حبيبَهْ .
ولكنّ علمي بما في الثوا ... ب عند المصيبة يُنْسي المصيبَهْ .
فتفهم كلامي واستحسنه وكتبهما وزالت عنه تلك الكآبة وانبسط .
قال ياقوت : قرأت بخط أبي سعد بإسناد رفعه إلى أبي العباس ابن الهادي قال : كنت عند إسماعيل بن إسحاق القاضي في منزله فخرج يريد صلاة العصر ويدي في يده فمر ابن البزي وكان غلاماً جميلاً فنظر إليه وقال وهو يمشي في المسجد من الكامل :