إسماعيل بن حماد ابن أبي حنيفة النعمان بن ثابت أبو عبد الله وقيل : أبو حسان كان عالماً زاهداً ورعاً وكان المأمون يثني عليه وقال محمد بن عبد الله الأنصاري : ما ولي القضاء من لدن عمر بن الخطاب Bه إلى اليوم مثل إسماعيل . فقيل له : ولا الحسن ؟ وكان ولي القضاة بالجانب الشرقي من بغداد سنة أربع وتسعين ومائة بعد محمد بن عبد الله الأنصاري فأقام مدة ثم صرف وولي قضاء البصرة لما عزل يحيى بن أكثم عنها ثم عزل عنها بعد سنة بعيسى بن أبان فشيعه أهلها ودعوا له وقالوا : عففت عن أموالنا ودمائنا فقال : وعن أبنائكم يعرض بيحيى ابن أكثم وفي رواية أن يحيى لما عزل عن البصرة وخرج عنها التقى إسماعيل وهو داخل ووقف ابن أكثم يثني عليه ويقول : يا أهل البصرة والله ما ولي عليكم مثل إسماعيل العفيف عن أموالكم ودمائكم ؟ ! .
فقال إسماعيل : وعن أولادهم ! .
فوجم يحيى . ولما ولي دس عليه محمد بن عبد الله الأنصاري رجلاً يسأله عن مسألة فقال له : ما تقول في رجلٍ قال لامرأته ؟ فقطع إسماعيل الكلام عليه وقال : قل للذي بعثك : إن القاضي لا يفتي .
أسند إسماعيل بن حماد عن أبيه وغيره وروى عنه غسان بن المفضل . وكان ثقةً صدوقاً ولم يغمزه سوى الخطيب فإنه روى عن سعيد بن سلام الباهلي أنه قال : سمعت إسماعيل في دار المأمون يقول : القرآن مخلوق وهو ديني ودين أبي وجدي . قال سبط ابن الجوزي : لو صح أنه قال ذلك فإنما قاله تقيةً لأن المأمون ما أبقى في الإكراه على هذا القول بقيةً لنا . وتوفي سنة اثنتي عشرة ومائتين .
الجوهري صاحب الصحاح .
إسماعيل بن حماد أبو نصر الفارابي الجوهري صاحب كتاب الصحاح في اللغة الذي يضرب به المثل في حفظ اللغة وحسن الكتابة يذكر خطه مع خط ابن مقلة ومهلهل واليزيدي وهو ابن أخت إبراهيم الفارابي صاحب ديوان الأدب المذكور في الإبارة . وكان يؤثر الغربة على الوطن دخل بلاد ربيعة ومضر في طلب الأدب ولما قضى وطره من قطع الآفاق والأخذ عن علماء الشام والعراق عاد إلى الخراسان فأنزله أبو الحسين الكاتب عنده فسكن نيسابور يصنف اللغة ويعلم الكتابة وينسخ الختم . ومن العجب أن المصريين يروون الصحاح عن ابن القطاع ولا يرويه أحد بخراسان وقد قيل : إن ابن القطاع ركب له إسناداً بالصحاح لما رأى رغبة المصريين فيه . وفي الصحاح أشياء لا ريب أنه نقلها من صحف فصحف فيها فانتدب لها علماء مصر وأصلحوا أوهاماً فيها . وقيل : إنه اختلط بأخرة . قال ابن القفطي : مات متردياً من سطح داره بنيسابور . وقيل : إنه تسودن وعمل له دفين وشدهما كالجناحين وقال : أريد أن أطير وقفز فهلك .
أخذ العربية عن السيرافي والفارسي واللغة عن خاله إبراهيم وقيل : إن الصحاح كان قد بقي قطعة مسودة فبيضها تلميذه إبراهيم بن صالح الوراق فغلط في أماكن حتى إنه قال في سقر إنه بالألف واللام وهذا يدل على أنه لم يقرأ القرآن . وقال : الجراضل الحبل فصيرهما كلمةً واحدةً بضاد معجمة والحبل بالحاء المهملة وإنما هو : الجر أصل الجبل . وقال ياقوت : قال محمود ابن أبي المعالي الحواري في كتاب ضالة الأديب من الصحاح والتهذيب : إن هذا الكتاب أعني الصحاح قرئ على مصنفه إلى باب الضاد فحسب وبقي أكثر الكتاب على سواده ولم يقدر له تنقيحه ولا تهذيبه فلهذا يقول في باب السين : قيس أبو قبيلةٍ من مضر واسمه إلياس بنقطتين تحتها ثم يقول في فصل النون من هذا الباب : الناس بالنون اسم قيس عيلان فالأول سهو والثاني صحيح . ومن زعم أنه سمع من الجوهري زيادةً على أول الكتاب إلى باب الضاد فهو مكذوب عليه . وصنف الجوهري كتابه لعبد الرحيم بن نجم البيشكي الأستاذ الإمام أبي منصور ابن أبي القاسم الأديب الواعظ الأصولي من أركان أصحاب أبي عبد الله الحاكم له مدرسة وأوقاف ونظم ونثر . وتوفي صاحب الصحاح سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة . ومن تصانيفه : كتاب في العروض جيد سماه عروض الورقة وكتاب في النحو وهذا الكتاب المشهور الذي رزق من السعادة ما لا رزقة غيره لقرب تناوله .
ومن شعر صاحب الصحاح من السريع : .
لو كان لي بُدٌّ من الناسِ ... قطعت حبْلَ الناس بالياسِ .
العزُّ في العزلة لكنّه ... لا بدَّ للناس من الناس .
ومن الوافر : .
وها أنا يونُسٌ في بطن حوتٍ ... بنيسابور في ظُلَل الغَمام