النهر قد جُنَّ بالغصون هوى ... فراح في قَلبه يُمَثَّلهُا .
فغار منه النسيمُ عاشٍقُها ... فجاء عن وصله يُميّلها .
ومنه يصف شموعاً من الطويل : .
وزُهرِ شموعٍ إن مددن بنانها ... لمحْو سطور الليل نابت عن البدْرِ .
وفيهنّ كافوريّة خلتُ أنّها ... عمود صباحٍ فوقه كوكب الفجرِ .
وصفراءُ تحكي شاحباً شاب رأسه ... فأدْمعُهُ تجري على ضيعة العُمرِ .
وخضراء يبدو وقْدها فوق قدِّها ... كنْرجسة تُزهى على الغُصنُ النضرِ .
ولا غَرْوَ أن تحكي الأزاهرُ حسنها ... أليس جناها النحلُ قِدْماً من الزهرِ .
ومنه في طريقة الشيخ محيي الدين ابن عربي من الطويل : .
يقولون : دعْ ليلى لبَثْنة ! .
كيف لي ... وقد ملكتْ قلبي بحُسْنِ اعتدالها ؟ .
ولكن إن اسطَعْتم تردُّون ناظري ... إلى غيرها فالعين نصبُ جمالها .
وأقْسمُ ما عاينتُ في الكون صورةً ... لها الحسن إلاّ قلتُ : طيفُ خيالها .
ومَن لي بليلى العامريّة ؟ إنّها ... عظيم الغنا مَن نال وَهْمَ وِصالها .
فما الشمس أدنى من يديْ لامسٍ لها ... وليس السُّها في بُعد نقطة خالها .
وأبدتْ لنا مرآتُها غَيْبَ حضرةٍ ... غَدَتْ هي مَجلاها وسرّ كمالها .
فواجبها حُبّي ومُمْكِنُ جودها ... وِصالي وعْدُّوا سَلْوتي من محالها .
وحَسْبيَ فخراً أن نُسِبْتُ لحبّها ... وحسبيَ قرباً أن خطرتُ ببالها .
قلت : شعر جيد وله في هذه الطريقة شعر كبير C تعالى .
العين زربي الشاعر .
إسماعيل بن علي أبو محمد العين زربي الشاعر سكن دمشق ومات بها سنة ثمانٍ وستين وأربعمائة . ومن شعره من الطويل : .
وحَقِّكُمُ لا زُرْتكم في دُجُنَّةٍ ... من الليل تُخفيني كأنّيَ سارقُ .
ولا زرتُ إلاّ والسيوفُ شواهر ... عليّ وأطرافُ الرماح لواحقُ .
ومنه أيضاً من الطويل : .
ألا يا حمامَ الأيك عُشُّك آهِلٌ ... وغصنُك ميّادٌ وإلفُك حاضِرٌ .
أتبكي وما امتدّت إليك يدُ النوى ... ببينٍ ولم يذعَر جنابك ذاعِرُ .
ومن شعره العين زربي من الطويل : .
أعينَيَّ لا تستبْقيا فيضَ عَبرةٍ ... فإنّ النوى كانت لذلك موعِدا .
فلا تَعجبا أن تُمطرِ العينُ بعدهم ... فقد أبرق البينُ المُشِتّ وأرعدا .
ويومٍ كساه الغيمُ ثوباً مُصَندلاً ... فصاغت طرازَيه يدُ البرق عَسجدا .
كأنَّ السما والرعد فيه تذكَّرا ... هوًى لهما فاستعبرا وتنهَّدا .
ذكرتُ به فيّاض كفِّك في الورى ... وإن كانتا أهمى وأبقى وأجْوَدا .
ومنه من المتقارب : .
أحِنُّ إلى ساكنات الحجاز ... وقد حجزتْني أمورٌ ثِقالُ .
بكيتُ ففاضت بحارُ الدموع ... وكان لها من جفوني انثيالُ .
وظنَّ العواذلُ أنّي سلوتُ ... لفقد البكاء وجاروا وقالوا : .
حقيقٌ حقيقٌ وجدتَ السلوَّ ... فقلتُ : محالٌ محالٌ محالُ .
قلت : ومن هذه المادة قول ابن سناء الملك من المتقارب : .
أرى ألف ألفِ مليح فما ... كأنّي رأيت مليحاً سواهُ .
أراه وما لي وصولٌ إليه ... فراحة قلبيّ أن لا أراهُ .
وقالوا : هواك مُقيمٌ مقيم ... عليه فقلتُ : كما هُو كما هو .
أبو علي الخطيب .
إسماعيل بن علي أبو علي الخطيب . أورد له صاحب دمية القصر من المتقارب : .
قضاءٌ من القادر الصانع ... مُقامي بذا البلد الشاسعِ .
أروحُ وأغدو بلا حاجةٍ ... وآوي إلى المسجد الجامعِ .
قلت : أحسن من هذا قول الآخر من السريع : .
من كان مثلي مُفْلساً مقتراً ... فالجامع الجامع ميعادُهُ .
ينصرف الناس لأشغالهم ... ونحن بالحرفة أو تادهُ .
أبو الطاهر الحميري